سياسة الانتظار…
سعاده مصطفى أرشيد _
تصرف السلطة الفلسطينية أيامها وهي بحالة الانتظار، انتظار ما قد يأتي أو ما قد لا يأتي، وذلك في تكرار مملّ لقصة متقادمة: انتظار ومراقبة اختيار المرشحين للرئاسة الأميركية، انتظار نتائج المعركة الانتخابية، انتظار ان يتسلّم المرشح الفائز مقاليد منصبه، ثم انتظار لبضعة أشهر ريثما يرتب ملفاته وأوراقه وأولوياته، يلي ذلك انتظار انقضاء السنة الأولى التي يخصّصها في العادة للأوضاع المحلية وللقضايا الاستراتيجية الكبرى والعلاقات المعقدة مع الصين وروسيا، وأخيراً انتظار تعيين مبعوثيه للمنطقة، وجولاتهم وحواراتهم ما بين كر وفر، في هذه الأثناء تنشب أزمة وزارية في (إسرائيل)، تنتهي بالدعوة لانتخابات مبكرة بعد مئة يوم، لتأتي مرحلة انتظار تشكيل قوائمها ومنها القوائم العربية و/أو القائمة المشتركة، مع أنّ الاحتمالات لا تزيد عن خسارتها أو ربحها لمقعد، وهي لن تغيّر من الأمر شيء، ثم انتظار تشكيل الحكومة الجديدة، لتأتي مرحلة انتظار التوافق الفلسطيني على إجراء انتخابات المجلس التشريعي، وطبيعة وشكل قانون الانتخابات، ثم انتظار تشكيل القوائم الانتخابية، والأهمّ موافقة «إسرائيل» على إجرائها – هذا بالطبع إنْ كانت الدعوة جدية لإجراء الانتخابات، ثم معرفة هل سيقبل «الإسرائيلي» بمخرجاتها، وهل سيقبل الطرف الفلسطيني الخاسر بنتائجها، عند ذلك يكون الرئيس الأميركي على أبواب انتهاء سنينه الرئاسية الأربع وأخذ يستعدّ لانتخابات جديدة، وهكذا تستمرّ عجلة الانتظار بالدوران.
سياسة الانتظار هذه، سياسة فلسطينية معتمدة في العقدين الأخيرين ولا تزال، ويتمّ إزجاء الوقت بحوارات مطوّلة بين قطبي العمل السياسي الفلسطيني ومؤتمرات أمناء عامين، وهي حوارات لم تتناول المسائل الأساسية والمفاصل الحقيقية، وكلّ فريق يبقى في موقعه ومتمسكاً بخياراته بغضّ النظر عن سلامتها أو فشلها، فلا السلطة تخلت عن خيارها الاستراتيجي المتمثل بالتفاوض ثم التفاوض مسقطة من حساباتها أيّ خيار آخر، ولا حماس تخلت عن خيار المقاومة وإنْ كانت تمارسه موسمياً وعند ضرورات السياسة والبقاء، سادت تلك الحوارات لغة المجاملة والمداهنة والغزل المتبادل، الذي تكشف زيفه التسجيلات المسرّبة من هنا وهناك ولم يعد يجد من يصدّقه.
في الثالث من أيلول الماضي صدر عن مؤتمر الأمناء العامين بيانه الختامي الذي جاء فيه: تشكيل لجنة لبحث معيقات الوحدة وإنهاء الانقسام على أن تنهي أعمالها بعد خمسة أسابيع – طبعاً في المصالحة وإنهاء الانقسام، لم يعرف الفلسطيني حتى اليوم هل شكلت هذه اللجنة؟ ومن هم أعضاؤها؟ وإلى ماذا توصلت؟ برغم مرور ثلاثة أسابيع على انتهاء المهلة المعطاة لتلك اللجنة الوهمية، لا بل لم يعد أحد يتحدث عنها وكأنها قد أصبحت نسياً منسيا. وتحدث البيان الختامي عن إجراء انتخابات متدحرجة تبدأ بانتخابات المجلس التشريعي ثم الرئاسة فالمجلس الوطني، وعلى ما يبدو انّ توقيع مرسوم إجرائها مرتبط بنتائج يوم الثلاث من تشرين الثاني المقبل، لكن يدور الحديث عن قائمة مشتركة بين قطبي العمل السياسي، فتح وحماس، الأمر الذي سيكون ابتداع شكل جديد من أشكال المحاصصة القديمة، ولكن تحلّ حماس به محلّ التنظيمات الصغيرة والأخرى الورقية الوهمية.
فيما يمرّ الوقت تجري في وديان الساسة مياه غزيرة، تخلق حقائق على الأرض في القدس والضفة الغربية، على شكل تهويد واستيطان ومصادرة أراض وتلزيم عطاءات بناء آلاف المنازل الاستيطانية، وترصد حكومتهم عشرين مليون شاكل (5و5) مليون دولار لمشروع تصوير مناطق الضمّ الواردة في صفقة القرن على مدار الساعة، لمراقبة أيّ عملية بناء، ثم يتمّ توسيع مناطق امتياز شركة الاتصالات الإسرائيلية لتشمل الضفة الغربية، انه نظام سيطرة كامل، وتنفيذ فعلي لمشروع الضمّ، الذي تراجع الحديث عنه والاهتمام به مؤخراً، فيما يتمدّد التطبيع المعلن والخفي ليشمل دولاً جديدة، ويأخذ أشكالاً عميقة من التعاون، منها ما منحته بلدية القدس اليهودية من امتيازات استثمارية لدولة الإمارات بالقدس الشرقية.
من سيفوز بالانتخابات؟ في الثالث من تشرين الثاني المقبل، جو بايدن أم دونالد ترامب؟ لا أحد يستطيع المغامرة بالإجابة على هذا السؤال، ولكن من المؤكد أنها أربع سنوات عجاف وطوال، لن تكون سهلة علينا سواء في فلسطين أو على مستوى الأمة بأسرها، في ظلّ حالة التردي الذي يعصف بالعالم العربي، او حالة الشلل الفلسطيني، ولكن مع بعض الفوارق غير الأساسية بين كلّ من المرشحين:
في حال فوز جو بايدن، فإنّ الدعم الأميركي لدولة الاحتلال سيتواصل بذات الوتائر العالية، ولكن الضرر سيقتصر على شخص بن يامين نتنياهو، وذلك لصالح خصومة اشكنازي وغانتس، ونتنياهو حين يفقد غطاء ترامب القوي لن يكون أمامه إلا أحد خيارين، عقد صفقة يغادر أثرها الحياة السياسة، أو مواجهه القضاء بتهم الفساد المنظورة، التي سترسله لفترة وراء قضبان السجن، في حال نجاح بايدن ستكون فرص العودة للتفاوض عالية ولكن بالشروط الإسرائيلية، الأمر الذي سيطيل في عمر قيادة السلطة، حيث ستترافق العودة للتفاوض مع تدفق شيء من المال والمشاريع، وربما بدعم سياسي شكلي تستطيع السلطة المبالغة فيه وجعله انتصاراً مثل إعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، إنعاش السلطة بالمال والمشاريع لن يترافق مع دعم سياسي تحقق السلطة من خلاله بعض المكاسب التي تدعم شرعيتها ويمنحها بعض القوة أمام شعبها.
في حال فوز ترامب، سيستمرّ في دعم بن يامين نتنياهو، وقد يضاعف من عدوانيته، سواء في مشروع الضمّ أو غيره، وسيستبدل إدخال الفلسطيني في مشاريعه بالتطبيع الواسع، ولن يكون أمام قيادة السلطة إلا أن تقبل بواقع الأمر الذي ترفضه اليوم – إنْ قبلها نتنياهو وترامب، وإلا فستكون أمام احتمال رحيلها واستبدالها بقيادة جديدة، متوائمة مع حالة التطبيع سيدة الموقف، والمهمّ عند ترامب ونتنياهو ليس الأشخاص وإنما الوظيفة.
انها أربع سنوات طويلة، نتائجها السياسة فلسطينياً متشابهه ولكن بشخوص مختلفة، والأهمّ أنّ «الإسرائيلي» سيكون هو المحرك الذي لن تتمّ اية حوارات مع السلطة الفلسطينية – أيّ سلطة فلسطينية إلا عبر بوابته.
*سياسي فلسطيني مقيم في جنين ـ فلسطين المحتلة