خريطة جديدة في التكليف فماذا عن التأليف؟
ناصر قنديل
– لم يكن الذين امتنعوا عن تسمية الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري بوارد خوض معركة إسقاطه، لأن أحداً لم يضع في المقابل اسماً مرشحاً منافساً، وظهرت الدعوات لعدم التسمية ذات معنى عند الذين لديهم شروط تفاوضية تعقب التكليف، أرادوا عبر عدم التسمية إيصال رسالة ربط نزاع كما أوضحت تصريحاتهم، وفي الطليعة التيار الوطني الحر، الذي ربط موقفه النهائي بمفاوضات التأليف ومعاييرها، بينما لم يكن خافياً أن امتناع حزب الله عن التسمية تثقيل لموقف التيار الوطني الحر وتأكيد على دعوته للحريري لفتح حوار حول الحكومة مع التيار، بدا أن طريقه مقفل قبل التكليف، بينما الذين ربطوا عدم التسمية بموقف معارض فلم يستطيعوا بلورة مرشح منافس يلتقون حوله بعكس ما حملت الاستشارات السابقة.
– المعركة السياسية حول التكليف كانت حول الأرقام، وظهر بنتيجتها أن القوات اللبنانية تقف وحيدة خارج سياق الحكومة المقبلة، بينما الممتنعون الآخرون يلتزمون بالسعي للشراكة على الأقل من الوجهة التفاوضية الهادفة لفتح طريق هذه الشراكة، مع استثناء المواقف المبدئية لبعض النواب الذي أرادوا تسجيل موقف اعتراضي لا يريدون له ولا يملكون بدائل سياسية راهنة، ولو أن مواقفهم التي كان عنوانها معاناة الناس وعذاباتها بقيت بعيدة عن محاكاة هذه المعاناة بتقديم حلول وبدائل مباشرة، فيما الوقت ينفد والبلد يسقط الى الحضيض بلا أمن اجتماعي أو غذائي أو صحيّ، ويصير خطر الموت جوعاً وبلا دواء فيه خطراً يهدد أوسع فئات اللبنانيين، حيث من حق الناس أن يتوقعوا أكثر من مجرد تسجيل المواقف.
– أظهرت الاستشارات النيابية تفكك حلفين متقابلين، هما الغالبية النيابية التي تشكل الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف بتشكيل حكومة، أبرز مستويات حضورها، فظهرت الغالبية منقسمة على ذاتها، بين الخيارات التكتيكية، منح التسمية ومواصلة التفاوض بعدها أو حجب التسمية وتعزيز الموقع التفاوضي، وبالمقابل ظهرت قوى 14 آذار وقد تفككت بصورة تجعل لمّ شملها بعيد المنال، بينما ربما تملك الغالبية حظوظ استرداد وحدتها في حال نجاح مفاوضات التأليف، حيث ظهر الطرف الجامع بين مكوّناتها وهو حزب الله في موقع بيضة القبان، الذي شغله تقليدياً الحزب التقدمي الاشتراكي، فوقوف الحزب مع التيار الوطني الحر خارج التسمية سيجعل للتفاوض سقفاً إيجابياً نحو تذليل العقد، خصوصاً في ظل استحالة ولادة الحكومة من دون توقيع رئيس الجمهورية، بينما ظهرت قوى الثامن من آذار بتكوينها الأصلي قبل تحالفها مع التيار الوطني الحر وقد استعادت حضورها ووحدتها، إذا اعتبرنا موقف حزب الله على ضفة عدم التسمية عملاً سياسياً بامتياز ضمن إطار تقاسم الأدوار بين حزب الله وحركة أمل.
– القراءة البعيدة عن البروباغندا الإعلامية الرائجة لمفاوضات الترسيم، تنطلق من اعتبار التسليم الأميركي بالتفاوض في ظل السلاح هو الحدث، بعد استنفاد كل أدوات الحرب والضغط لتحييد وتقييد السلاح، والتفاوض الذي يقوده الجيش وفقاً لخرائط ووثائق يعرفها الأميركيون عن قرب، يفتح باب التوقعات بتسارع التفاوض وبلوغ نقطة ترسيم تحقق للبنان تثبيت منطقته الاقتصادية ويدء استثمارها مع تقديرات واعدة بالكميّات والأرقام والعائدات، ووفقاً لهذه القراءة نحن أمام انتصار إضافي تحققه المقاومة بقوة سلاحها وصمودها، وعلى خلفيّة هذا التسليم الأميركي بشراكة السلاح في التفاوض ووقوفه في خلفيّة نتائجه، فتح الباب لفرصة الرئيس الحريري بالعودة لرئاسة الحكومة وضخ أموال تحرّك عجلة المال والاقتصاد، وتحرّره من عقدة النظرية القائلة بلا حل ولا تفاوض في ظل السلاح. وهذا هو مغزى التزام الحريري بالسعي لتفاهم مع ثنائي حركة أمل وحزب الله من دون القلق من فيتو خارجي.
– أمام الرئيس الحريري بعد فوزه برقم يتجاوز ما توقعه المقربون منه، رغم اعتقاد الكثيرين بتواضع الرقم، فرصة للاستثمار على نتائج الاستشارات، وقراءة معنى أنه نال ما يعادل أغلبية جديدة في المجلس النيابي، وهي مرشحة لتخطي الثلثين، إذا نجح في مفاوضات التأليف بصورة سلسة بعيداً عن تصفية الحسابات من جهة، وإذا نجح بفتح صفحة جديدة في العلاقة مع القوى التي شارك بتهميشها في ظل التسوية الرئاسية من جهة موازية، لجعل الحكومة الجديدة كحكومة اختصاصيين، قادرة على التعبير عن أوسع ائتلاف نيابي وسياسي وشعبي، تضع أولوية هي الأمن الاجتماعي والإفراج عن الودائع، وترشيد الدعم على الغذاء والدواء، من دون الوقوع في فخاخ شعارات ترضي بعض الابتزاز الشعبوي في الداخل أو الابتزاز المالي في الخارج، تحت عناوين يشكّ اللبنانيون بصدق النيات وقدرة السياسات على تحقيقها كعناوين الإصلاح ومكافحة الفساد، وباتوا يعتبرونها مجرد شعارات للاستهلاك.