فلنؤسّس جمعية لمحاربة التطبيع*
يكتبها الياس عشي
تجتاحني، أحياناً، رغبة في أن أنسى حتى الحروف الأبجدية، فأقيم، بيني وبين الكتاب، سوراً عالياً، وأخبّئ الأوراق والأقلام في مكان لا أصل إليه، وأفرغ ذاكرتي ممّا آمنت به، وممّن آمنت بهم، ومن كلّ المبادئ العظيمة التي من أجلها عشتُ حتى اليوم، وما زلت أعيش؛ والتي بسببها أردّد، كما سقراط، «ما زلت واثقاً من جهلي».
إنه الشعور بالقرف… والإحباط… والتراجع …إنه الزمن السيّئ والرديء والمنافق …
إنه العالم العربي الذي يضغط عليك، ويحاصرك، ويفقأ عينيك، ويجلدك، ويدجّنك… وفي نهاية الشهر يدفع لك راتباً، ويقرأ عليك واجباتك، ويسمعك عظة عن حقوق الإنسان، ثَمّ يرمي بك قطعةً من اللحم المهترئ على أحد مقاعد الدولة .
إنه العالم العربي الذي غيّر إنجيله بتوراة، وقرآنه بتلمود، وطباعه المركّبة على الثورة والرفض بتطبيع صار أكثر من هرولة، وغيّر تاريخه المحكي من على صهوات الخيول بتاريخ مزوّر بدأ في «كامب ديڤيد»، ولا يعلّم غير الله إلى أين سينتهي .
إنه العالم العربي الذي يسمح لــ «نبيل فوده» رئيس «جمعية الصداقة المصرية – الإسرائيلية» أن يظهر على الهواء مباشرة، ويتحدث عن «أهميّة الصداقة العربية – الإسرائيلية»، وعن المستقبل العربي في ظلّ تطبيع ينهي منطق الحرب، ليحلّ منطق السلام والرخاء تحت الراية الإسرائيلية !
من كان يصدّق أنّ الأمور ستصل إلى هذا الحدّ؟ وأنّ البغاء الذي كان يمارَس في الغرف السريّة قد انتقل إلى الهواء مباشرة؟ وأنّ العرب قد دفنوا كلّ شهدائهم ليستمعوا إلى «نبيل فوده» وهو يبشّر بـ «الصداقة العربية – الإسرائيلية؟»
وتريدون أن أكتب؟
سأكتب …
لكنني اليوم، ومن خلال منبر جريدة «الإنشاء»، أدعو جميع الأحرار في لبنان عامةً، وفي طرابلس بشكل خاص، إلى تأسيس جمعية هدفها مقاطعة الدول العربية التي طبّعت أو تسعى للتطبيع مع العدو الصهيوني، وإنْ لم نفعل فسيكون المستقبل قاتماً،
وإنّ غداً لناظره قريب !
* مقال نشر في جريدة «الإنشاء» في شهر أيار من عام 2000،
أعيد نشره اليوم بدون أيّ تعديل.