الوطن

لا حاجة للانتفاخ السياسي وتكبير الحجر… الشعب يريد أفعالاً وحلولاً وليس أقوالاً ونظريات

{ علي بدر الدين

فائض الثقة، الذي ظهر فجأة عند الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، وحفّزه على تشغيل محركاته حتى قبل الاستشارات النيابية في بعبدا ومجلس النواب، وسرعة اقتحامه ميدان التكليف، لـ «القوطبة» على أيّ اسم آخر، قد تقترحه وتغامر فيه بعض القوى السياسية التي لا ترغب بعودته إلى رئاسة الحكومة.

نجح الحريري في فرض نفسه مرشحا وحيدا لخوض «معركة»التكليف وألتأليف، وإن باصوات لم يعتد على نيلها في استشارات نيابية سابقة. وقد أحصاها سلفاً. لكنه أصرّ على السباق منفرداً، وحقق ما أراده واصبح تكليفه أمراً واقعاً رسمياً. وهذا يكفيه ليمتطي صهوة التكليف والتأليف والدخول إلى السراي الحكومية منتصراً ومظفراً. في تحدّ واضح لكلّ من حاول أن يقتل حلم عودته إلى كرسي رئاسة الحكومة.

إصراره على العودة إلى الرئاسة الثالثة أمر مستغرب ويثير التساؤلات، خاصة أنّ لبنان مأزوم ومحاصر، وفي مخاضات عسيرة على أكثر من جهة وجبهة ومحور وفي مرحلة صعبة ومعقدة للغاية يمر فيها. وتمّ وضعه تحت العناية الإقليمية والدولية المشدّدة، لأنّ دولته مشلخة ومؤسّساتها معطلة أو مشلولة أو مصادرة، واقتصادها منهار، وماليتها مفلسة. والشعب يعاني ما يفوق التحمّل والتصوّر، حيث تنهش حقوقه ذئاب الفساد، وتحطم عظامه طبقة سياسية مفتوحة شهيتها على السرقة والطمع والجشع، وكأنها في «جوع عتيق» وتمارس ساديّتها في الظلم والاستبداد وهوايتها في كنز الثروات من الأموال المنقولة وغير المنقولة.

أسئلة كثيرة تراود من يدركون حجم الخطر المحدق مأزومية المشهد العام في لبنان وسوداويته.

 الحريري الذي تولى سابقاً رئاسة عدد من الحكومات وبعناوين مختلفة وبيانات وزارية متشابهة، هو أكثر من غيره يدرك صعوبة إيجاد مخارج الحلّ، وعجز الطبقة السياسية والمالية عن إنقاذ البلد الذي أغرقته وأفلسته وراكمت ديونه وأفقرت شعبه وجوّعته، لأنه شريك أساسي وواحد من المنظومة السياسية الحاكمة، والمستبدة، التي تتحمّل المسؤولية كاملة عن كلّ ما أصاب لبنان من تفكك وانهيارات، ورهن قراره وسيادته واستقلاله، وبيعها للمحاور الإقليمية والدولية، طلباً للحماية، من أخصام واقعيين أو افتراضيين ينافسونهم على المواقع السلطوية والاقتصادية والمال والحصص.

ما الذي حوّل الرئيس المكلف من رافض عنيد، ينأى بنفسه عن رئاسة الحكومة، بل أكثر من ذلك يقترح أسماء لا حيثية سياسية أو شعبية، ولا غطاء مرجعي طائفي لها لموقع الرئاسة، ويناور من خلالها، مع أنه خطط ربما لفشلها وسقوطها، ليثبت للجميع، أن لا غنى عنه، ولا بديل له، هو أو لا أحد في موقع رئاسة الحكومة.

 يبدو أنه نجح ايضاً في تثبيت مقولته، وما سعى إليه، وأراد تحقيقه، أشبه ما تكون بمقولة هارون الرشيد «أنّى غيمت ستمطر عندي» وها هي الدول الإقليمية والدولية، والقوى السياسية المحلية الفاعلة والمؤثرة في القرار، «حارت ودارت» وأعادت تكليف الحريري بتشكيل الحكومة، وهو الذي كلف نفسه وحاصر الشركاء في السلطة قبل محاصرتهم له، بعد أن أزال من طريقه الغاما ومشاريع تسميات لإشغاله وإحراجه وإخراجه من حلبة السباق إلى الرئاسة الثالثة.

لماذا هذا الحماس الزائد لترؤسه الحكومة التي كانت وما زالت عصية على التأليف، وهو الذي استقال تحت ضغط الشارع، وأقيلت حكومته الثانية وهو خارج لبنان؟ وما الذي تغيّر إيجاباً من تشرين الأول 2019 إلى تشرين الأول 2020 حتى يعمل الصعب بل المستحيل للعودة إلى رئاسة الحكومة؟ وقد ازدادت الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، والضغوط الخارجية على لبنان، والشروط الداخلية، ومنها المطالبة بـ «بعدالة» توزيع الحصص في كلّ صغيرة وكبيرة في هذا البلد، والأهمّ الآن تقاسم الحصص في الحقائب وخاصة ما سُمّي منها بالسيادية؟

ما الذي شجعه على قبول مهمة التكليف والتأليف ولبنان اليوم، فعلاً في عين العاصفة، وأمامه استحقاقات قائمة وأخرى داهمة، وثالثها متربّص ومتوثب للاقتحام، منها ما هو داخلي، ومتداخل محلياً خارجياً، ومنه ما هو إقليمي ودولي له مصالحه وحساباته في لبنان والمنطقة؟ وما هي المعطيات والضمانات التي يخبّئها في جيبته، ليخرجها في الوقت المناسب؟ حكماً ليست داخلية حيث ينعدم الفعل والقرار. إنها بالطبع خارجية بامتياز، على علاقة وتماس بالمصالح الإقليمية والدولية، وفي مقدّمها المبادرة الفرنسية معدلة، التي استجابت لمتطلبات الواقع الطائفي والمذهبي الطاغي في لبنان، في محاولة لتمرير استحقاق الحكومة، مع أنه يعلم أنّ الموافقة الخارجية مشروطة إنْ كانت المبادرة الفرنسية أو القبول الأميركي المشروط المواكب بالضغوط الأميركية، التي تتجاوز التشكيل والأسماء والحقائب، إلى إملاءات وتهديدات وعقوبات حصلت حتى بعد تكليف الحريري.

الواضح أنّ المبادرة الفرنسية التي ربما ستكون هي العمود الفقري للبيان الوزاري للحكومة المنتظر تأليفها، هي في المقصلة الأميركية والسيف مصلت عليها، إذا لم تلتزم الشروط الأميركية السياسية والمالية والاقتصادية، والضغط على لبنان بـ «صفقة القرن» و «قانون قيصر».

من حق الشعب اللبناني، أن يسأل الرئيس المكلف، المنتشي بفوزه المؤزّر وتسميته للتأليف، وفتح طريق رئاسة الحكومة أمامه، رغم صعوبة سلوكها، ومدى قدرته على نزع ألغام المطالب والحصص أو تفجيرها حتى لا تنفجر بوجهه وتطيح بأحلام العودة الميمونة إلى القصر ورئاسة الحكومة.

 ما الفرق بين تسميات وعناوين الحكومة إن كانت حكومة مواجهة أو مَهمة أو إنقاذية أو إصلاحية أو سياسية وتكنوسياسية أو حكومة اختصاصيين. سئل جحا مرة «أيهم افضل أن تسير أمام الجنازة او خلفها او على يمينها أو على يسارها»؟ أجاب بثقة العارف «إمش حيث شئت المهم الا تكون أنت في النعش».

ليس المهمّ اسم وشكل وعدد الوزراء، الأهمّ أنّ تشكل الحكومة اليوم قبل الغد، ببرنامج عمل وبيان وزاري وطني وإصلاحي وإنقاذي وبوزراء لا غبار عليهم، يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة ونظافة الكفّ والعقل.

التوقعات تشير إلى أنّ ولادة الحكومة لن تطول، وموعدها على أبعد تقدير من أسبوعين إلى ثلاثة. هذا يعني إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، في الثالث من الشهر المقبل، ومعرفة الفائز فيها، وهذا ما كان متوقعاً، ولا ضرورة للانتفاخ السياسي، وهذه الكمّية من الإيجابيات التي لا مبرّر لها حول تأليف الحكومة، كأنّ مشاكل لبنان وأزماته وانهياره اقتصادياً ومالياً ومعيشياً معالجتها متوقفة على تأليف الحكومة، أليست الحكومات المتعاقبة أقله منذ اتفاق الطائف، هي المسؤولة عما آلت إليه الأوضاع المأساوية في لبنان على كلّ الصعد؟

 تأليف الحكومة ليس هو الهدف، بل الوسيلة لفتح آفاق الحلول والمعالجات والخيارات المتاحة لكلّ ما هو مفيد، علها تحدث صدمة إيجابية تقلب الأوضاع رأسا على عقب، وتنتج حكومة مختلفة عما سبقها في الأداء والأسماء والشفافية، وإعطاء الحقيبة المناسبة للوزير المناسب، والصدق هو الأساس وحجر الرحى في تعاطي الوزير مع ذاته وشعبه والحقيبة التي ائتمن عليها، وهو كما يقول الشيخ عباس حرب العاملي «الصدق مثل الخيط الرفيع إذا إنقطع سقطت كلّ فضائل المرء».

لن نحمّل الرئيس المكلف، ولاحقا رئيس الحكومة والوزراء أكثر من طاقتهم وإمكانياتهم، ولا نتوقع منهم فعل المستحيل وغير الممكن. لأنّ معظمهم عاش التجربة الحكومية رئيساً أو وزيراً أو مراقبا عن بعد، والنتائج «الباهرة» واضحة ومعاشة.

ما يطلبه المواطن وهذا من حقه حياة آمنة مستقرة، لا فساد فيها ولا نهب ولا هدر ولا غش ولا جشع وطمع ولا ظلم واستبداد، ولا فقر ومجاعة، ولا موت على أبواب المستشفيات ولا عطالة من العملوالحبل يطول.

من حقه أن يسأل الحريري بصفته رئيساً مكلفاً: هل ستبدأ بالإصلاح ومن أين ستكون البداية، في اجتثاث الفساد، وكشف الفاسدين ومحاسبتهم؟ هل لديك الجرأة والشجاعة لتسمية الفاسدين وناهبي المال العام والخاص واستعادته إلى خزينة الدولة والشعب؟ هل بإمكانك فكّ القيود عن أموال المودعين في المصارف من مقيمين ومغتربين، وإعادتها إلى أصحابها الذين ربما حَرموا انفسهم وعيالهم لجمعها لليوم الأسود الذي هم فيه اليوم؟ هل تقدر على لجم تجار العملة الصعبة والجشعين المتغوّلين من كبار التجار الذين أشعلوا نار الأسعار لحرق المواطنين وإفقارهم وتجويعهم؟ هل بإمكانك التصدي لمشروع رفع الدعم عن الدواء والطحين والمحروقات، ومنع التهريب والتخزين والكشف عن أسماء المهرّبين والمخزنين والحرامية؟ هل ستتمكّن من عدم الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي القاسية التي ستكون وبالاً ومحرقة للبنان وشعبه في مرحلة الانهيار الكلي على كلّ المستويات؟ وماذا عن المبادرة الفرنسية والضغوط الأميركية وصراع المحاور في لبنان وعليه؟

أسئلة ليست للحشر والإحراج، وكسر مجاديف المركب الحكومي، لأنّ الجميع فيه وإذا غرق لن ينجو أحد، حتى الذين يعتقدون انهم محصّنون بأبراجهم العالية او بمواقع سلطوية محمية من عوامل الطبيعة والإنسان.

انها تساؤلات مشروعة ومعروفة، وهي فقط للتذكير ولفت الإنتباه والشعور بالمسؤولية، علها تنفع، لما هو آت، ولا يتكرّر ما فات، لأن لا قيامة للبلاد والعباد، إذا تكرّرت المأساة، لأنها ستكون السقطة الأخيرة التي توجب إطلاق رصاصة الرحمة عليها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى