الشترانج لعبة الموت التي لا تنتهي
} د. كلود عطية
هي لعبة الشترانج حيث تبدأ بالجندي وتنتهي بـ “كش ملك” لتسقط الحجارة على رأس اللاعبين الصغار والكبار..
وتنتهي اللعبة حيث بدأت على طاولة خشبية جمعت منذ صناعتها معظم حكام العالم واخترعت لهم استراتيجية اللعبة وأنظمتها وقوانينها.. كما واخترعت لهم أسلوباً في اللعب يشبه الحرب التي لا تخمد نيرانها ولا يتوقف نزيف الدم عند حدود شهدائها..
في مجتمعنا نعيش في دائرة الحرب الدائمة الدوران، ونشارك باللعبة الى جانب الكبار، نلملم لهم جراحهم ونفتح صدورنا أمام الرصاص الموجّه لهم.. فهم يلعبون وينفذون أوامر صانع اللعبة، ونحن تعوّدنا اللعب بالنار ومنظر الدم ما عاد يهمنا.. وكأن لعبة الحرب رواية ملحميّة تشبه تشاتورانغا وهي واحدة من تلك الألعاب التي كانت تسمى بالاسم السنسكريتي لتشكيل معركة مذكورة بالملحمية ماهابهاراتا الهندية، حيث كانت هذه اللعبة من الألعاب المشهورة في شمال غربي الهند في القرن السابع، وكانت من أقدم الألعاب الشبيهة بلعبة الشترانج الحديثة التي نشارك فيها حين نجمع الحجارة لمن يلعب بحياتنا ووجودنا..
شاترانج السياسة الدولية وصناعة الحكام (أو تشاترانج)، وهي عبارة عن لعبة مكوّنة من لاعبين، قد يكونا الأميركي/ الروسي.. الأميركي/ الكوري الشمالي، الأميركي/ الفرنسي…. تمت إضافة قطعة جديدة إليها تسمى المستشار (فرزان)، وقد يكون المستشار الألماني او البريطاني.. ويعتمد الفوز في لعبة شترانج عن طريق القضاء على كلّ قطع الخصم من الشعوب الفقيرة والمحتلة والمنتدبة والمقاومة.. أو القبض على الملك، الذي يتربع على عرش مملكة الثروات ويسمح بتحويل الأمة الى ساحة خلافات ونزاعات واقتتال طائفي ومذهبي بعد تلاوة الصلوات.. وهنا نعترف بأنه لم تتغير الحركات الأوليّة للعبة وحركات البيادق والفرسان، ولكن توجد اختلافات زمانيّة وإقليميّة بين القطع الأخرى. الا انّ قوانين اللعبة باتت واضحة بعد أن رسمت حدود البداية ومحت كلّ الحدود التي قد تصل اليها مخيلة اللاعبين..
شاترانج الماسونية الصهيونية.. هي صناعة الحكام في العالم المتخلّف حيث يموت الجندي من أجل الملك بأمر ملكي، ويجوع البشر ويموتون في حقول القمح.. وتغرق سفن البحارين والصيادين حين تنفذ من الوقود في حقول النفط والغاز.. أما الصورة الأكثر بشاعة، فهي تلك التي تجمع أهل القتيل مع القاتل، والمنهوب مع السارق، والجائع مع التاجر، والمؤمن مع رجال الدين.. هي قوانين اللعبة وأهدافها وضرورة استدامتها على أنقاض المدن وجثث القتلى ورجاء المرضى والمتعثرين والمظلومين والفقراء..
لعبة الشترانج التي لا يلعبها إلا الأذكياء حوّلت معظم حكامنا الى أحجار ماديّة لا روح لها ولا طعم ولا لون تتلاعب بها يد الشيطان الأكبر حتى تنتهي اللعبة ولم تنته.. فهي تحقق المتعة الحقيقية لصانعي الحكام، وتحصد نتائج مبهرة في قتل الشعوب وزرع الفوضى والكره والحروب والاقتتال على الأديان وتشويه صورة الانسان والسرقة والفساد والتفقير ونهب الثروات وتراكم الديون إلخ…
لعبة الشترانج التي تُعتبر من أقدم الألعاب وأكثرها شعبية، قسمتنا إلى مربعات طائفية وأمنية وإرهابية، وقطع متقاتلة مصمّمة خصيصاً لها بألوان متعاكسة، وعادةً ما يكون باللونين الأبيض والأسود، ويبدأ اللون الأبيض ببدء اللعبة ثمّ اللاعبين، ويتمّ اللعب بالتناوب حسب قواعد ثابتة ومعروفة، يحاول فيها كلّ لاعب بفرض القوة على قطعة الخصم الملك وهي القطعة الرئيسية.. وهنا يبقى الصراع بين الشعب والسلطة وتبقى التبعية للملك حتى قتله.. ويتهم الصغار بالقتل واللاعبون الكبار يعودون لتعلم لعبة موت جديدة…
يحاول الجميع الوصول الى قطعة الملك وهي جزء من المجموعة التي يرجع تاريخها إلى 1200 عام ميلادي، حيث تمّ إيجادها في مخبأ للصوص على جزيرة لويس الموجودة شمال شرقي أسكتلندا. هذا المخبأ هو مقر السلطة الحاكمة.. حيث تدار اللعبة.. والى هنا يحاول الجميع الوصول.. ملايين القتلى والمشرّدين والجرحى والمنفيين والمفقودين والمسجونين… والمجتمع يعيش حالة وهم بأنه سينهض حين يتشارك الذلّ والتبعية والخضوع مع قطعة الملك التي صنعت في مخبأ اللصوص.. وكأننا لا نعلم انّ الملك نفسه هو مجرد حجرة من أحجار اللعبة.. هي الشعوب التي تعوّدت على الذلّ لن تحكم نفسها بنفسها.. ولن ترى النور يوماً.. وستبقى من فئة البيادق التي تمثل العبيد، وهي وعلى الرغم من أنها أكثر القطع الموجودة على لوحة اللعب، إلا انه عادةً ما يتمّ الاستغناء عنها لإنقاذ القطع الأكبر منها قيمةً.. شعوب محكومة بأصول اللعبة حتى الموت.. فتراها تحرس قلعة اللصوص بجنود محكومين بلقمة العيش ينفذون أوامر من لا يستحق، الذي يشبه “الفارس” الذي يبقى على طرف اللوحة الخشبية يموت ليحمي تلك القطع التي تفوقه أهمية.. وهي ممتدة من قادة الأمن الى الغرف التشريعية والتنفيذية السوداء.. وصولاً الى الأسقف: أو ما يسمّي بالفيل، وتوجد قطعتان منه في اللعبة و18 عندنا وهو يمثل الكنيسة التي لا تؤمن بالمسيح بالدرجة الأولى ويمتدّ ليشمل كلّ الهياكل الدينية الطائفية التعصبية البغيضة.. التي عاشت رهينة لقطعة الملكة التي تمثل المرأة التي حوّلت الذكور الى أشباه رجال يتقاتلون في الجسد وغابت عنهم الروح، ويتقاتلون في الأرض وغابت عنهم السماء.. وتستمر اللعبة حتى يداهمهم الموت.. فتراهم يتساقطون أمام قطعة الملك.. من دون أن يعرفوا بأنه ملك الموت.. وموته نهاية اللعبة.. فتعلم الجميع حمايته للفوز باللعبة… من دون أن يدري أحد بأنها لعبة الحرب التي لا تنتهي.