رحيل الأمين المناضل إيلي لاظ في ملبورن لم يتقاعس يوماً عن واجب الجهاد وثبت على إيمانه والقسم
غيّب الموت الأمين المناضل إيلي لاظ عن 84 عاماً، بعد مسيرة حزبية امتدّت ستة عقود ونيفاً جسد خلالها إيمانه بالحزب والنهضة، مناقبية وعطاء والتزاماً.
منفذية ملبورن في الحزب السوري القومي الاجتماعي، نعت الأمين الراحل إيلي محمد علي لاظ، وأوردت نبذة عنه، أشارت فيها إلى أنه من مواليد 1936، وانتمى الى الحزب عام 1955، وتحمّل مسؤوليات حزبية في منفذية ملبورن وكان متميّزاً في كلّ مسيرته الحزبية.
وكتب الأمين د. ادمون ملحم رثاء جاء فيه:
منذ أيام قليلة فقدنا الأمين إيلي لاظ بعد أن غلبه المرض، فرحل عنا بجسده عن عمر 84 سنة تاركاً وراءه مسيرة طويلة من النضال والعطاء وصدق الالتزام ومؤكداً على حقيقة آمن بها وجاهد من أجلها… حقيقة فرضت نفسها على هذا الوجود ولن تزول.
عندما جئت إلى ملبورن عام 1982، تعرّفت إلى الأمين إيلي وكان آنذاك متحمّلاً مسؤولية ناظر الإذاعة والإعلام في منفذية ملبورن وهو في الأربعينيات من عمره. ومنذ ذلك الوقت جمعتنا القضية القومية الاجتماعية والصداقة المتينة المرتكزة على المحبة القومية التي نتربّى عليها في مدرسة النهضة القومية…
استمرّ الأمين إيلي في مسؤولية ناظر الإذاعة والاعلام لفترة 15 عاماً وبكلّ همة وعزيمة مُشْرفاً على العمل الإذاعي في المنفذية وشارحاً العقيدة القومية الاجتماعية في الاجتماعات والسهرات وفي حلقات إذاعية لا تتوقف ومتكلماً متمكِّناً في احتفالات الحزب ومناسباته القومية. وبالإضافة لنظارة الإذاعة، تحمّل مسؤوليات أخرى منها مسؤولية ناموس للمعتمدية المركزية في أستراليا ونيوزيلاند ومن ثم مديراً لمديرية داندينونغ.
وفي مديرية داندينونغ، عملنا معاً وترافقنا مراراً إلى مناسبات الحزب وفي زيارات عديدة لمواطنين أصدقاء ولرفقاء وعائلاتهم. وكانت هذه الزيارات تتحوّل أغلب الأحيان إلى حلقات إذاعية لأنّ الهاجس كان دائماً حقيقة الحزب وحضوره وترسيخ العقيدة في النفوس.
تحمّلت مسؤولية مدير لمديرية داندينونغ لفترة تجاوزت السنوات العشر. وكان برنامج هيئة المديرية شاملاً إقامة السهرات القومية الاجتماعية في منازل الرفقاء لتكون مناسبات للتفاعل والوئام والثقافة القومية ولتعزيز الروحية القومية الاجتماعية بين الرفقاء والمواطنين الأصدقاء، وكنا لا نجد أفضل من الأمين إيلي ليتولى مهمة تقديم الدرس الثقافي –الإذاعي للحاضرين لما يتمتع به من خبرة إذاعية وثقافة حزبية.. وطبعاً هذه المهمة كانت المفضّلة بالنسبة للأمين إيلي الذي كان يشدّد دائماً على الرفقاء بأنّ مهمّتنا الأساسية الطبيعية الأولى تقتضي بأن نتكلم بعقيدتنا وبأن نلهج بها في كلّ الأوقات عملاً بوصية حضرة الزعيم القائل: «كلّ عقيدة عظيمة تضع على أتباعها المهمة الأساسية الطبيعية الأولى التي هي: انتصار حقيقتها وتحقيق غايتها. كلّ ما دون ذلك باطل. وكلّ عقيدة يصيبها الإخفاق في هذه المهمة تزول ويتبدّد أتباعها. عوا مهمتكم بكامل خطورتها والهجوا دائماً بهذه الحقيقةـ حقيقة عقيدتكم ومهمتكم ـ حقيقة وجودكم وإيمانكم وعملكم وجهادكم».
كان الأمين إيلي مناضلاً متميّزاً بمناقبيته وصدق التزامه وثباته على العقيدة القومية الاجتماعية وإيمانه الذي لم يتزعزع، ولذلك منحته القيادة الحزبية «وسام الثبات» منذ سنوات عدة. تحاورنا معاً كثيراً، وخاصة في السنوات الأخيرة، حول مسائل عقائدية وتطبيقية، وكانت حواراتنا تطول لأنّ من يناقش الأمين إيلي يعرف تماماً طريقة تفكيره وعدم حياده في ما يعتقده حقاً. كنا نتفق بأمور كثيرة ونختلف في بعضها، ولكن خلافنا بالرأي ووجهات النظر لم يفسد يوماً للودّ قضية لأنّ ما يجمعنا هو قضية تساوي وجودنا، فكان مرجعَنا دائماً كتابُ سعاده ونظامُه.
كان الأمين إيلي يتمتع بذاكرة قوية حتى آخر أيامه وكان يقول لي إنّ صحة الذاكرة تقتضي التمرين والممارسة والاستخدام، وكان يشدّد دائماً على ضرورة أن يحفظ القومي الاجتماعي مبادئ الحزب الأساسية والإصلاحية، وقسم الانتماء وأن يردّده باستمرار ويتصرّف بمقتضاه. كان خطيباً بليغاً ومؤثّراً يرتجل كلماته وخطبه بصلابة عقدية وثقة بالنفس، وكان متحدثاً فصيحاً متمكناً من اللغة العربية وقواعدها ومن أساليب الإقناع وعرض الأفكار في أسلوب سلس ومنطقي. وكان أكثر ما يساعده على جذب المستمعين إليه وإقناعهم هو استعانته بأدلة وحقائق من تعاليم القومية الاجتماعية وتاريخ الحزب وإيراده أقوالاً لسعاده حفظها بحرفيتها بالإضافة لثقافته الواسعة وتعمّقه بالقرآن الكريم والكتاب المقدس.
كلّ من عَرفَ الأمين إيلي، عرف فيه المناقبية وصدق الالتزام والتفاني في سبيل الحزب. فهو لم يتقاعس يوماً عن واجب الجهاد. منذ انتمائه للحزب في الخمسينيات حتى آخر لحظة من حياته، سار على طريق النهضة، طريق الحياة، حاملاً أعباءَها ومتفانياً في خدمتها ومجسِّداً عنفوانها ومؤمناً بما قاله سعاده: «إنّ طريقنا طويلة لأنها طريق الحياة. إنها الطريق التي لا يَثبُت عليها إلا الأحياء وطالبو الحياة. أما الأموات وطالبو الموت فيسقطون على جوانبها!».
نعتذر منك يا حضرة الأمين! إنّ الإجراءات المفروضة علينا بسبب وباء كورونا لا تسمح لنا الآن بوداعك وتكريمك كما يجب.
سنفتقد حضورك، لكنّ عزاءَنا انّ نفسك المفعمة بإيمانك الصلب ستبقى حاضرة بيننا في لقاءاتنا ومناسباتنا وفي تاريخ الحزب على مر السنين.
لروحك الرحمة والبقاء للأمة والخلود لسعاده.