أولى

قطوع التأليف… والحلول المنتظرة!

} جهاد ذبيان*

بعد مرور قطوع التكليف بتسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، مع ما سبق ورافق هذا التكليف من تجاذبات سياسية وإعلامية ستعكس نفسها بطبيعة الحال على مرحلة التأليف التي انطلقت الجمعة الفائت مع الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها الرئيس المكلف مع الكتل النيابية.

بالتأكيد لن يكون إنجاز التأليف سهلاً، لا سيما مع اختلاط الأوراق واهتزاز بعض التحالفات والتسويات السابقة، غير أنّ الموقف المميّز لكتلة الوفاء للمقاومة سهّل مسار التكليف، وأعطى إشارات إيجابية وأزال بعض العقبات من أمام قافلة التأليف، ما اعتبره المراقبون نصف تسمية أو ورقة بيضاء لتسهيل التسمية، رغم أنّ الكتلة لم تؤيّد تكليف الحريري لعدة أسباب واعتبارات.

وبعد جولة المشاورات النيابية، من المفترض أن يكون الرئيس المكلف قد بدأ بجولة مشاورات سياسية لاستكشاف طريق التأليف، وحتى لا يقع في المطبات التي حالت دون نجاح السفير مصطفى أديب وأدّت إلى اعتذاره عن عدم إكمال مهمته.

وعليهلا بدّ أن يدرك الرئيس المكلف أنه لا يستطيع تجاوز المواقع الأساسية في البلد، وتحديداً رئيس الجمهورية الذي من دون التنسيق معه وأخذ موافقته وتوقيعه لا يمكن للرئيس المكلف أن ينجح في مهمته، وهذا ما دفعه إلى زيارة قصر بعبدا السبت والإدلاء بتصريح إيجابي مختصر بعد لقائه الرئيس ميشال عون.

كذلك لا يستطيع الرئيس الحريري أن يتجاهل وجود قوى وطنية أساسية يحتاج إليها لإنجاز التوليفة الحكومية المقبولة، وتحديداً المقاومة التي حرّرت الأرض وحمت البلد ولا تزال تحميه من كلّ اعتداء أو غدر قد يفكر الأعداء بافتعاله سواء العدو الصهيوني أو العدو التكفيري اللذين هزما على أيدي الأبطال الميامين الأشداء في المقاومة اللبنانية والفلسطينية والجيشين اللبناني والسوري.

هذه المقاومة بقيادة الرمز الكبير سماحة السيد حسن نصرالله تثبت كلّ مرة أنها الأحرص على الاستقرار الوطني من كلّ النواحي، لا سيما الاستقرار السياسي الذي يأتي معه وبعده الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي.

ما نأمله مع اللبنانيين جميعاً هو أن لا تكون الأجواء الإيجابية مصطنعة لوقت محدود، بل أن تكون هذه الأجواء حقيقية وتنتج إيجابيات وحلولاً لم يعد هناك غنى عنها في الوقت الحاضر بعدما وصلت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية إلى مرحلة اشتدّ فيها الخناق على أعناق غالبية الناس بشكل لا يُطاق.

لسنا بحاجة إلى دراسات وخطط ومشاريع ولجان، كما لسنا بحاجة إلى تجارب جديدة، ومعروف المثل عن تجربة المجرّب، لأنّ مَن يسعى اليوم إلى قيادة السفينة أو يتنطّح لتسمية الفريق الوزاري، عليه أن يخبرنا عن إنجازاته وإنجازات حكوماته المتعاقبة منذ ثلاثين سنة إلى اليوم، أليست هي المسؤولة كلياً عما وصلنا إليه؟ وبالتالي لا بدّ من القول إننا أمام مرحلة جديدة مختلفة عن السابق، ونحتاج إلى نمط جديد في السلطة يُعلي المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة، ويُعلي سيف العدل والمحاسبة فوق رؤوس الجميع، وهذا وحده كاف لكي تنطلق مسيرة النهوض من جديد، لأنّ الحلول موجودة ومتوافرة ومعروفةلا سيما أنّ الرئيس الحريري نفسه كان قبل استقالته العام الماضي طرح ورقة إصلاحية وأقرّتها حكومته السابقة بعد قيام ثورة 17 تشرين الأول 2019، وهي تتضمّن نقاطاً أساسية هامة وردت هي نفسها تقريباً في المبادرة الفرنسية. ومن شأن البدء بتنفيذ البنود الإصلاحية المُشار إليها أن يشكّل انطلاقة جيدة لمسيرة التعافي والنهوض مجدّداً بالاقتصاد الوطني.

هناك فرصة متاحة أمام الحكومة المرتقب تشكيلها، لكنها ليست مفتوحة في الزمن، لأنّ اللبنانيين باتوا قادرين على استنتاج الأمور سريعاً، وهناك إجراءات فورية ممكن أن تتخذها الحكومة لتبرهن أنها فعلاً جادة ومصمّمة على تحقيق الإنجازات التي يطمح إليها مجموع المواطنين، ومن خلال هذه الإجراءات الفورية تعطي الحكومة إشارات الطمأنة اللازمة حتى تأخذ من الناس المزيد من الوقت لكي تضع الحلول والمعالجات الكبرى والمستدامة موضع التنفيذ الفعلي.

وإلا فإنّ الناس ستعود إلى الشارع في ثورة عارمة، لن يستطيع أحد هذه المرة أن يقف في وجهها ولا أن يأخذها بشعاراته السياسية من هنا وهناك إلى المكان الذي يريدلأنّ الوجع حقيقي والمعاناة كبيرة، والعلاج يجب أن يكون من الجذور

*رئيس تيار صرخة وطن

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى