نقاط على الحروف

تفكّك مجموعات الحراك… و«الفقار يولد النقار»

 ناصر قنديل

رغم محاولة التغطية على المشهد التصادميّ الذي أطاح بمؤتمر مجموعات الحراك، عبر عراك حلّ مكان الحراك، وشتائم بدأت ضد أهل السياسة وانتهت لتصيب «الثوار» بألسنة بعضهم التي تمرّنت بالسياسيين سنة كاملة، ومحاولة وضعه مرة في خانة التباينات الديمقراطيّة ومرة في كونه لم يؤثر على مسار أعمال مؤتمر هذه الجماعات لتوحيد صفوفها. فإن بيان المؤتمر الذي أقرّ بترحيل العناوين السياسيّة الى وقت لاحق يكفي للقول إن المؤتمر قد فشل، بل إن الهيئة التي يفترض ان تنبثق عن المؤتمر ترك أمر تشكيلها لتشاور لاحق.

الانقسام السياسي داخل المجموعات التي تلاقت على تسمية حضورها في الساحات في ظل الغضب الشعبيّ، بالثورة، وتمكنت في أيام زخم الحركة الشعبيّة من تخطي الخلافات ذاتها التي فجرت مؤتمرها، هو انقسام قديم مرافق لهذه الجماعات منذ بداية الحراك، لكن المناخ الذي فرضه سياق الأحداث منذ انطلاق الانتفاضة كان يوحي بأن الحصار على المقاومة ينتج ميزان قوى سياسي عام في البلد لصالح القوى المنخرطة في المشروع الأميركي بكل تفرّعاته، وقد تسنّت لهؤلاء السيطرة على الحراك بقوة هذا المناخ من جهة وبتجنيد وسائل الإعلام التلفزيونية المتفرغة للنقل المباشر والتي تدير ضمن تنسيق بينها تتولاه جهات أخرى بالواسطة، لأن القنوات التلفزيونيّة المتخاصمة وجدت القدرة على التفاهم على لوغو موحّد وشعار واحد، لبنان ينتفض، وعلى تسويق تحرّكات بمواقيت واحدة مجهولة مصدر الجهة الداعية، ضمن مشروع لم يعُد خافياً موقع مليارات ديفيد هيل من صناعته، لكن المشهد قد تغيّر اليوم فتفجر كل ما كان تحت القشرة وطفا الى السطح.

العراك كان تعبيراً عن فشل الذين قادوا الحراك، رغم الدعم الهائل المالي والإعلامي والدبلوماسي والشعبي الذي أتيح لهم وركبوا موجاته جميعاً، وصولاً لفشل ذريع عبر عن نفسه بتراجع الإعلام وتراجع الأموال وتراجع الرعاية الدبلوماسية وخصوصاً تراجع المشاركة الشعبية، فخرج المقموعون الذين صمتوا لسنة عن صمتهم، لكن كان كل شيء قد تغيّر. فالأميركي ذاهب للتفاوض حول ترسيم الحدود في ظل السلاح الذي وعدوه بمحاصرته وتقييده، وقد نفد وقته وحسم أمره، وصار ثوار هيل بضاعة منتهية الصلاحية، والياس الأميركي من هذه الجماعات عندما يتلاقي مع اليأس الشعبي يرافقه انفكاك إعلاميّ فتفقد حركتها مصادر قوتها الوحيدة، وتصبح نوادٍ للثرثرة تشبه كثيراً النواب المستقيلين، ودعاة الحياد، كطلقات صوتيّة في توقيت خاطئ.

الواضح أن المسار الحكومي الجديد كمسارٍ موازٍ للحراك، منذ عام مضى، غير قابلين للتساكن تحت السقف الأميركي معاً، فيجب أن يُخلي أحدهما الساحة للآخر. ومثلما أخلت حكومة الرئيس سعد الحريري الساحة قبل سنة للحراك، يخلي الحراك بعد سنة الساحة لحكومة جديدة للرئيس الحريري. ومثلما رحلت الحكومة لأن القرار الأميركي كان عنوانه تشديد الحصار وشدّ الخناق ولو وصول الأمر بلبنان نحو الانهيار على أمل أن يسقط الهيكل على رأس المقاومة، فرحل الحريري وتقدّم الحراك، صار القرار بمنع انهيار سيسقط فيه من لبنان الكثير الكثير مما يهمّ الأميركيّ، لكن المقاومة لن تسقط، ولن يسقط الهيكل على رأسها، فتقدّم الحريري وتراجع الحراك.

العراك في الحراك يجسّد مقولة «الفقار بيولد النقار»، و«الفقار» هنا هو مالي وسياسي وإعلامي، فهل يتقدّم الثوار الحقيقيّون المؤمنون بالمقاومة والاستقلال والإصلاح تحت سقف واحد، ليقودوا نسخة منقحة ومصحّحة؟

Related Articles

Back to top button