جنون أردوغان.. من صفر مشاكل إلى صفر جيران
} سماهر الخطيب
تثير سياسات أردوغان التوسعية ونزعته العثمانية تساؤلات شتّى حول الأهداف التركية من سورية وصولاً إلى خاصرة روسيا، وما إذا كان الاقتصاد التركيّ قادراً على تحمل المزيد من الأعباء.
فيما تبدو النزعة القومية «الإسلامية» التي يقودها أردوغان واضحة وجليّة في رغبته بإعادة إحياء سلطنة أجداده وإقامة «زعامة» السلاطين الروحية في العالم بحجة زعامة الدين الإسلامي.. حاملاً شعار الغيرة على الدين مستخدماً مقاتلين بنسخة معدلة عن الإنكشاريين لإعلاء مصلحته المبطنة داخل حماية الدين..
ولا يكتفي أردوغان بشعار حماية الدين والمسلمين إنما يعزف على الأوتار كافة إذ لا ينسى أن يستخدم موضوع الهوية الوطنية، وفكرة القومية التركية الجامعة، ووحدة الشعوب التركية. كأن يتذكر «السلطان» أردوغان الشعب القبرصي «الشقيق»؛ ويدعم الشيعة الأذربيجانيين في الصراع في ناغورني قره باغ، وينقل المسلحين «السوريين» للقتال في ليبيا وأذربيجان بعد أن استخدمهم في تحقيق مصالحه في سورية..
وبالتالي نلاحظ اليوم في السياسة الأردوغانية أنها باتت ذات وجهين قومي وإسلامي تقوم على وحدة السياستين في توجهاته الإقليمية والدولية. بحيث يستخدم «السلطان» التركي في سياسته التوسعية مجموعة كاملة من «الإرث» العثماني تحت مسمّى «القيم».
وبالرغم من أنّ معظم المواطنين الأتراك يجدون مزايا في سياسة أردوغان المتعددة الاتجاهات لكنهم يجدونها أيضاً سياسة انتهازية، نقلتهم من «صفر مشاكل مع الجيران» إلى «صفر جيران ومشاكل» بعد أن أشعل فتيل الحرب مع جيرانه كافة سعياً لتحقيق طموحات إمبريالية وتسجيل أهداف في مرمى اللعبة الدولية لتنعكس عليه ضربة جزاء جيوسياسية وبدلاً من عودة بلاده لأهميتها السابقة في الساحة الدولية بات الجميع سواء أكان جاراً أو حليفاً مستشيطين غضباً من تلك السياسات المصلحية التوسعية..
إنما ولحسن الحظ، تركيا اليوم، لا تمتلك موارد الإمبراطورية العثمانية السابقة حتى قبيل تفككها. فالقوة الناعمة والتوسع الثقافي والديني، تحتاج تغذية مالية كبيرة، والاقتصاد التركي ضعيف على الرغم من أنه شهد «معجزة اقتصادية» كبيرة. إنما بعد فيروس كوفيد-19، اندفعت إلى الواجهة مشاكل البطالة واللاجئين وانهيار الليرة. ورغم أنّه لوّح مراراً وتكراراً بملف اللاجئين في وجه الاتحاد الأوروبي وعلت تصريحاته منابر المتاحف التي حولها إلى مساجد سعياً منه لكسب قلوب «المؤمنين» إنما ما سَها عنه في تطبيقاته العملية لسياسته العثمانية أنّ الطبقة الوسطى والحضرية الناشئة في مجتمعه لن توافق على دفع ثمن طموحات رئيسها الذي لطالما ألِفَ ذلك.
أضف إلى ذلك أنه ومن جميع النواحي فإن التوسع التركي يرتبط حصراً باسم أردوغان وبأسلوبه الاستبدادي في الحكم، خاصة بعد الانقلاب الفاشل ما يعني أنّ السحر من المحتمل جداً أن ينقلب على الساحر وتؤدي به سياساته التوسعية إلى خروجه من الساحة السياسية، خاصة إذا ما وجد شعبه أنه بات مرتبطاً بمجموعة من الالتزامات السياسة الخارجية، ومحاطاً بخصوم إقليميين، ودوليين غاضبين من سياسات بلاده اللامبدئية..
ومنذ أن وقعت تركيا اتفاقية ترسيم الحدود مع الوفاق الليبية ولم تكل ولم تهدأ بتوجيه تهديداتها لجيرانها في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة قبرص واليونان، أضف إلى ذلك تصعيد الرئيس التركي للحملة ضدّ فرنسا في الآونة الأخيرة، سعياً منه للتغطية على إشكاليات التدخلات التركية شرق المتوسط، وحرب مكامن الغاز، وترسيم الحدود البحرية، مع اليونان، والأعمال العسكرية للجيش التركي ومن يوصفون بالمرتزقة في ليبيا وإقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان.
وبالتالي يبدو أنّ أردوغان ماضٍ إلى نهاية حقبته «الأردوغانية»، بعد أن أصبحت نزعته «السلطانية» المتحكمة والمسيطرة على أفعاله وأقواله. وهو يعلم جليّاً بأنّ تلك النزعة التوسعية فاقدة أي شرعية أو مشروعية وخالية من أي سند قانوني يدعمها أو حق تاريخي يؤصّلها، ليس في مياه البحر الأبيض المتوسط، فحسب، إنما في معظم الأراضي التي سلخها أجداده من دون حق. وها هو اليوم يفتح عليه أبواب مواجهات قاسية وقاصمة، قد تصل إلى حد الحرب.