التطبيع… كذب وافتئات على «السلام» المزعوم
} محمد شريف الجيوسي
تساءل محلل سياسي سوداني «عبقري»، كان يتحدث من باريس على فضائية RT الروسية في سياق دفاعه عن السياسة التطبيعية لحكومة بلاده مع الولايات المتحدة الأميركية أولاً ثم مع الكيان الصهيوني، عما جنته بلاده خلال 60 سنة من (العزلة) كما أسماها عن المجتمع الدولي، غير المشكلات التي يعاني منها السودان من التخلف والفقر والمديونية والإحتساب على الإرهاب..
واعتبر المحلل العبقري، أنّ السودان سيمتلك تقدّم (إسرائيل) تقنياً، بنتيجة هذا التطبيع، ويفكّ العزلة عن بلاده، فـ «إسرائيل» مفتاح العالم إلى أميركا وإلى ما أسماه المجتمع الدولي، وبالتالي حذف الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب.. وهو الأمر الذي أبلغ به ترامب الكونغرس فعلاً (وقيل إن إجراءات تنفيذ الوعد بدأت.. لكن في مقابل 330 مليون دولار دفعها السودان للتعويض عن جرائم لم يرتكبها لا في أفريقيا ولا في أيّ مكان من العالم)
ووُعِد السودان مقابل التطبيع مع «إسرائيل» بـ 3 مليارات دولار لتحسين أوضاعه العامة، ولكن هذه الأموال لن تدفعها الخزينة الأميركية ولا (الإسرائيلية) إنما الخزينتين السعودية والإماراتية، وكان من الممكن أن تدفع الدولتان هذا المبلغ الكبير وزيادة منذ زمن بعيد ليشكل رافعة مهمة وعاجلة لإنقاذه من أزماته، بدلاً من أن يكون جاهزاً لإعطاء ما يُطلب منه على حساب دافع الضرائب السوداني الفقير والمرهق.
ومعروفة هي الطريقة التي تدفع بها المنح والمساعدات والقروض الغربية الرأسمالية للدول الفقيرة، على أقساط متباعدة، ولمشاريع لا تغيّر من واقع الفقر شيئاً، بل تعمّقه، وهو الأمر الذي لا يغيب عن بال الدول التي تورّطت أو وُرّطت بالديون وبطريقتهم (الكريمة) تلك، وفرضت عليهم برامج التصحيح الإقتصادي التي ترهق الطبقة الوسطى وما دونها، وتزيد من ثراء بعض الأثرياء وتضيّق قاعدتهم ليهبط العديد منهم إلى أسفل، وتغري كبار موظفي الدول بالرّشى على حساب دولهم سعراً ونوعا وكفاءة.. فيعمّ الفساد ليصبح منهجاً ونظاماً راسخاً يصعب اجتثاثه، ويصبح هؤلاء ضمانات راسخة للغرب في بلدانهم، وفي حالة عزلة مستدامة عن شعوبهم، وعناصر مضادة شرسة للإصلاح، مستعينة بشرائح فقيرة؛ بالفتات على حساب طبقتهم المثخنة بالأوجاع والقهر.
المحلل العبقري الذي كان يتحدث بحماس من باريس مدافعاً عن التطبيع بعامة، نسي في الوقت الذي تساءل فيه عما حصد السودان من عدم التطبيع ومن عدم عقد اتفاقات سلام مع (إسرائيل)، ان يسأل نفسه، ماذا حصد الذين عقدوا اتفاقات سلام معها، هل حصلوا على فتات ما كانوا يسمّونه (حسنات السلام)؟ بل هل حصلوا على الأمن والأمان من أن تلدغهم (إسرائيل) بين حين وآخر وكلما أتيحت لها فرصة.
هل حصد الفلطسينيون غير مزيد من الاستيطان في الضفة الفلسطينية المحتلة وغير حصار قطاع غزة الفلسطيني، والإعتراف بالقدس الفلسطينية الشرقية المحتلة عاصمة لـ (إسرائيل) وفي بناء جدار العزل العنصري الذي اقتطع مساحاتٍ واسعة من الضفة وجعل منها معازل منفصلة عن بعضها، وقتل وأسر المزيد من الفلسطينيين بمن فيهم أطفال ونساء وعُخّز ومسنون وأعضاء مجلسٍ تشريعي.. وإعاقة تصدير منتجاتهم عبر الأردن واحتكار استيراد بضائعهم عبر الكيان الصهيوني، وتطبيق سياسة الاعتقال الإداري والتعذيب وإهمال صحة الأسرى وإهانة المواطن الفلسطيني عند المعابر الحدودية ونقاط المعازل، والتعدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية وتدنيسها ومنع المصلين من العبادة والحفر تحت أساسات المسجد الأقصى، وامتلاك المقدسات بالاحتيال، وتحويلها الى مراقص أو اسطبلات، والعمل على تجويع الفلسطينيين بتمكين المستوطنين من تجريف وإقتلاع وسرقة وحرق المزروعات والاستيلاء على بيوتهم ومنعهم من ترميمها أو التوسع في البناء أو الحصاد المائي أو حتى جني ما تجود به الطبيعة مما يؤكل.
وكذلك التضييق على البنوك الأردنية العاملة في الضفة، وتشجيع استخدام العملة الأسرائيلية (الشيكل) على حساب الدينار الأردني…
والأخطر من كلّ ذلك، وأشدّ سوءاً، أنّ (إسرائيل) أقرّت تشريعاً عنصرياً بأنها دولة يهودية صرفة، ما يمهّد لطرد وتفريغ الفلسطينيين من موطنهم فلسطين المحتلة سنة 1948، والبالغ عددهم نحو مليوني فلسطيني (20% من مجموع السكان) ويجري قمع الأعضاء العرب في الكنيست الإسرائيلي وطردهم أحياناً بالقوة من جلسات الكنيست.
وترفض «إسرائيل» تطبيق قرارات الشرعية الدولية بما في ذلك قرار التقسيم الذي قامت على أساسه والمتضمّن عودة اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وبلداتهم وقراهم وبيوتهم في فلسطين المحتلة سنة 48، كما ترفض تنفيذ كلّ قرارات الشرعة الدولية، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي لا تخضع منشآتها النووية وأسلحة الدمار الشامل والبيولوجية فيها للرقابة والتفتيش.
وكشف بعض المؤرّخين النقاب عن عشرات المذابح والمجازر والعمليات الإرهابية النوعية؛ التي نفذها الصهاينة على الفلسطبينيين..
وهنا السؤال: هل هذا الكيان يرغب بالسلام، ويحرص عليه ويعمل لأجله.. ألم يحرّض أثيوبيا ويموّل بناء سدّ النهضة؛ لتعطيش السودانيين والمصريين، وتدمير اقتصادهم، الم يرفض حتى مشروع الدولتين (على كلّ ما فيه من نواقص وظلم ظاهر للشعب الفلسطيني)، ألم يرفض مبادرة السلام العربية المقرّة جماعياً من الجامعة والتي دعمت لاحقاً من الدول الإسلامية.
الم تقتل «إسرائيل» رغم وجود اتفاق سلام معها؛ مواطنين اردنيين بدم بارد دون أيّ ذنب، واستقبل القاتل من رئيس وزراء «إسرائيل» كفاتح عظيم! ألا يوجد لدى «إسرائيل» بعد أسرى أردنيون، ومنهم مَن ترفض الكشف عن جثامينهم رغم مرور عقود على استشهادهم، ألم تُسقِ إسرائيل الأردنيين مياهاً ملوثة بعد معاهدة «وادي عربة» المشمولة بموضوع المياه، ألا تلوّث مزارع الأسماك الإسرائيلية مياه نهر الأردن؟ ألا يطلق الإسرائيليون في ربيع كلّ عام خنازيرهم في مناطق الأغوار ويفتعلون الحرائق ما يصيب المزارع والمزروعات الأردنية ووسائل الريّ بأضرار كبيرة؟ ألم تحاول «إسرائيل» نقل مركز تعميد السيد المسيح الى بحيرة طبريا المحتلة لحرمان الأردن من هذه المكانة المقدسة والمورد السياحي؛ وغير ذلك…؟
ألم تتدخل «إسرائيل» مراراً في الشأن السوري ودعمت العصابات الإرهابية في كل مرة كانت كانت العصابات الإرهابية تتعرّض للضعف ومدّتهم بوسائل الإتصال الحديث والعتاد والسلاح واللوجستيات .
بكلمات، «إسرائيل» ليست كيان سلام، وإنما كيان زُرع في المنطقة لأمرين: الخلاص من اليهود الذين هم عنصر فسادٍ واحتكارٍ مالي وفتن، وفي آن إشغال المنطقة العربية واستنزافها بهم، بالحروب والأزمات والفتن…
ولذلك نرى الدعم الغربي منقطع النظير لهذا الكيان، وبحيث يبقى هو الأقوى من كلّ محيطه، وبالتالي يحال دون قيام دولة عربية قوية واحدة تمتلك الطاقة (النفط والغاز والطاقة المتجددة) والثروات الأحفورية الأخرى التي سيتمّ استثمارها في حال استقرّت الأوضاع لصالح الأمة، وخطوط التجارة والانتقال بحراً وبرا وجواً، والمقدسات المسيحية والإسلامية، والمناخ المتوسطي المعتدل . والشواطي الطويلة والبحار.
وعليه فإنّ القول بأنّ التطبيع سيجلب السلام، هو مجرد إفتئات على السلام وكذب براح.