هل يُكتب النجاح لحكومة “في التأني السلامة وفي العجلة الندامة”؟
علي بدر الدين
الثابت الوحيد في الطبخة الحكومية، أنّ لكلّ مكوّن من مكوّنات الطبقة السياسية، طبقه وحصته وفق الأحجام والأوزان الطائفية والتمثيل النيابي والسياسي، من دون غش أو تزوير، لأنّ القياس يكون بميزان من الذهب، الذي يعتبر الغرام وحدة وأساس هذا القياس.
إنها “العدالة” في توزيع الحصص على الطوائف والمذاهب والكتل والأحزاب والتيارات، لينال الجميع الحقائب الوازنة التي تبيض ذهباً وأموالاً وخيراً مستفيضاً، وهدراً غير منظور، من خلال استحداث بدعة المداورة، باستثناء وزارة المال التي لا يمكن تدويرها لضرورات وطنية وميثاقية.
يبدو انّ الطبخة الحكومية بخلطتها السرية والسحرية، وقلة الطباخين، والانسجام التامّ بين رئيسي الجمهورية العماد ميشال عون والمكلف سعد الحريري، الذي تجسّده زيارات الحريري المكثفة والمتكرّرة إلى قصر بعبدا. عناصر مشجعة، تؤشر إلى أنّ عملية التأليف تسير في الإتجاه الصحيح، وأنّ طبخة الحكومة وُضعت على نار خفيفة حتى لا “تشعط” او تحترق، بفعل فاعلين يتربّصون بها، لغايات ومصالح منها المعلوم ومنها المجهول.
غير أنّ المبالغة في تخفيف نار التأليف إلى أدنى مستوى من التوهج، يضرّ أكثر مما يفيد، ويفتح المجال لتسريبات غير مشجعة ولتدخلات مشبوهة لطباخين، لديهم ما يكفي من خبث وخبرة في العرقلة والخربطة والحؤول دون تصاعد الدخان الأبيض. خاصة أنّ هذه الحكومة إذا ما كتب لها أن تؤلف، لن يكون من مصلحة أحد تطويل الوقت، لأسباب كثيرة منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي. لأنّ التأليف رغم التكتم الشديد الذي يحيط به، وانحسار التشاور وسريته بين الرئاستين الأولى والثالثة حول الحقائب والأسماء والحصص، إذا تجاوز إثنين شاع، طبعاً ما عدا الرئيس نبيه بري الذي هو صمام الأمان والحريص على تسهيل التأليف، وقد اطمأن إلى تحييد حقيبة المال من المداورة، ونجح في سحبها من التداول، من بازار السوق السوداء الطائفي.
رغم الإيجابيات والأجواء التفاؤلية المسرّبة، جدية كانت أو إيحائية ووهمية، فإنّ عملية التأليف تحوّلت إلى ما يشبه شبكة الكلمات المتقاطعة، حيث يبدأ البحث لولوج حلها عن الكلمات السهلة، وتحقيق إنجاز مبكر قد يفتح طريق الحلّ أمام الأصعب والأعقد ويحتاج إلى مزيد من الوقت وإلى الاستعانة بـ “صديق” محلي أو خارجي، وربما أكثر.
هذا بالضبط ما يؤخر، ويعرقل تأليف الحكومة، حيث استسهل الطباخون على قلتهم، اتخاذ الخطوة الأولى لسلوك الطريق وسهولة عبورها، واعتبارهم، أنّ حلّ عقدة مطلب “الثنائي الشيعي” الذي عرف منذ البداية ماذا يريد، وتمسّك به، وانتزع موافقة “الشركاء” على أحقيته بحقيبة المالية والتوقيع الثالث قد يفتح آفاقاً جديدة للحلّ وإنجاز التأليف، خاصة أنّ هناك مؤشرات إيجابية، أو هكذا الاعتقاد، منها، على سبيل المثال أنّ الرئيس المكلف يملك وحده مفتاح حصة السنة واختيار الأسماء من دون منازع أو معترض، وهذا قد ينسحب على غيره أيضاً مثل النائب السابق وليد جنبلاط الذي يريد امتلاك حصرية التمثيل الدرزي، كذلك يبدو أن لا مشكلة في التمثيل المسيحي حكومياً، لأنّ القرار عند رئيس الجمهورية، والحصص موزعة وفق الأحجام والأرقام.
غير أنّ مشكلة التعقيد تكمن في توزيع الحقائب وليست في الحصص لأنها باتت محسومة تقريباً، والرئيسان مع شركاء علنيين وسريين، يجهدون جميعاً لفكفكة العقد والوقوف على خاطر هذا الفريق أو ذاك، ومحاولة الترغيب والإرضاء بالتعويض في أماكن اخرى او حكومات مقبلة وإذا لم يفلحوا في الإقناع والقبول، عليهم العودة إلى نمط تأليف الحكومات السابقة بحيث يعود كلّ فريق سياسي أو مكون طائفي ومذهبي، إلى وتده الحكومي، و”مضربه” الذي اعتاد عليه، لا سيما أنّ الوقت يضيق والشعب يفقر ويجوع ويتألم ويعاني ويموت إما جوعاً أو مرضاً. والبلد بلغ حافة الانهيار الكامل على كلّ المستويات، والمنطقة في حال صعبة ومعقدة سياسياً واقتصادياً بسبب كورونا الخطير القاتل بلا هوادة الذي يجتاح العالم برمته.
لا بد من تأليف الحكومة، وقد باتت مطلوبة وملحة. لكن ليس أيّ حكومة، مع التوقع والتأكيد أنها لن تكون أفضل من سابقاتها، ولا يمكن لها، أن تسلك طريق الإصلاح والتغيير والمحاسبة، لأنّ “فاقد الشيء لا يعطيه”، ومن “جرّب المجرّب …” ولأنّ العقلية السياسية والمالية الحاكمة والمتحكمة، المصلحية والمستبدّة والفاسدة لن تتغيّر، وإن تبدّلت الاسماء وتداورت الحقائب وتغيّرت عناوين الحكومة وبيانها الوزاري المستنسخ.
إنها ستكون حكومة الوقت الضائع، حكومة ككلّ حكومات ما بعد اتفاق الطائف، حكومات من سيّئ إلى اسوأ وهي التي أوصلت البلد وشعبه إلى كوارث خطيرة ومدمّرة وقاتلة، وهذه تداعياتها تفعل فعلها الذي لا يمكن لأيّ بلد او شعب أن يتحمّلها، مهما ادّعى بالتميّز والبطولة والصبر والأمل والشطارة.
لن نستبق الآتي من الأحداث والتوقعات والوعود الكاذبة التي اعتاد المواطن عليها، ولن نصدر أحكاماً قبل أوانها، مع أنّ المكتوب يُعرف من عنوانه.
لا بدّ من انتظار التأليف، على أمل ألا يطول، ولن نبني أحلاماً على تلال من الوهم مهما حاول البعض تجميل الحكومة الموعودة ولا وعودها التي حكماً ستبقى حبراً على ورق، وصدى لأيام قاسية آتية، وتحاكي زمناً مضى.
وحتى موعد التأليف الذي بشر به الرئيس نبيه بري، أنه بات قريباً جداً، وخلال أيام، لا خيار أمام اللبنانيين سوى انتظار وترقب، بزوغ فجر حكومة، اسمها سبق فعلها المجهول.