أولى

المعضلة اللبنانية البنيوية…

 نقولا تويني*

 

أدمَنَ لبنان وشعبه ونظامه الاعتماد على الخارج.

في الاقتصاد ومراكمة الثروات.

انتقل لبنان من اقتصاد تبادلي في العاصمة بيروت التي كانت همزة وصل بحرية والداخل السوري والعراقي، وزراعية حيث كانت الأراضي اللبنانية الجبلية والسهول المروية طبيعياً تنتج أنواعاً من الفواكه والخضار كان من الصعب إنتاجها في الداخل السوري الذي اعتمد على زراعات شاسعة من القمح والقطن، الى مركز لاستقبال أموال لاجئين من نكبة فلسطين، الى موجة الانقلابات العربية المتتالية بدءاً بمصر، ثم تلاحقت الانقلابات السورية والعراقية والسودانية، من دون ان ننسى ليبيا وحروب اليمن

ثم ازدهار الخليج والثروة البترولية حيث بات لبنان ملاذ استقطاب الأموال الهاربة من نار السياسة والحروب. تلاشت التبادلية التجارية والزراعة وحلت مكانهما التبادليةُ المالية.

في السياسة،

استقبل لبنان جماهير اللاجئين وأموالهم وتم توزيع التجنيس حسب الملل والطوائف والمناطق بحيث يزيد العدد الإجمالي دون المساس بالنسب الطائفية السائدة وتوازناتها.

انحازت الأحزاب الطائفية اللبنانية الى مصادر رزقها وهي مصادر الأموال، وتخصّصت كلّ طائفة وحزب بعلاقة مميّزة مع الخارج، والخارج كان علاقة من عتبتين الأولى محلية إقليمية عربية والثانية علاقة الأساس وهو الطرف العالمي. وكانت هذه العتبة إما أميركية غربية أو روسية سوفياتية.

انّ الارتباط العضوي الاقتصادي الاجتماعي مع الطرف الإقليمي والدولي جعل من السياسة الداخلية اللبنانية تفصيلاً فولكلورياً بينما الأساس في التوجه يأتي من الخارج. فالأحزاب التاريخية التي تنادي بـ «القومية اللبنانية» تناقضت مع دعوتها الاستقلالية عن العمق العربي والسوري بعلاقتها الغربية الطاغية والمناقضة لادّعاء الاستقلالية المطلقة.

كذلك لم تتمكن الأحزاب الداعية الى «القومية العربية» ان تخلق مكاناً مريحاً لها على مساحة «القومية اللبنانية» في ظلّ الإملاءات الإقليمية المتناقضة بين مصر وسورية والعراق والإملاءات الدولية من حلف وارسو والسوفيات.

دخل لبنان منذ سايكس بيكو ونكبة فلسطين الى الصراع الدولي على سورية والوطن العربي وخليجه البترولي، وأصبح اقتصاده وسياسته مرهونَيْن بالمشيئة الدولية، خصوصاً بعد سقوط الاتحاد السوفياتي والدولة العربية في حدودها وجيوشها وسياساتها. وكان غزو العراق والحرب السورية وحرب اليمن وليبيا وانفصال السودان تعبيرات واضحة وبليغة عن تدهور الكيانات التي تمّ تركيبها في معاهدات دولية أتت بعد الحرب العالمية الثانية عبر قرارات دولية صارمة أخذت بمصالح القوى الدولية ولم تكترث لطبيعة المنطقة أو سكانها.

المعضلة اللبنانية باتت معضلة إقليميةسوريةعراقيةخليجيةعربية لا مجال لحلها إلا بمن فيها وليس بغيرها من البدائل كما هو متبع منذ بداية القرن الآفل.

علينا اليوم ان نسلك مسارين: توحيد الكيان اللبناني وتوحيد المسار العربي الإقليمي بالتركيز أولاً على وحدة اقتصادية فعلية تخلق دينامية إنتاجية جديدة يمتاز فيها لبنان بصناعات ريادية عقلياً ومعرفياً، والصناعات الزراعية المتخصّصة بالتنسيق العلمي الحديث مع سورية في ميدان الإنتاج الزراعي الوفير من الحبوب والقطن والصناعات الزراعية الكبيرة. والعراق في البتروكيماويات، ومصر في الصناعات التحويلية، والسعودية في البتروكيماويات والصناعات الميكانيكية والجوية.

هذا التوجه الاقتصادي بإمكانه خلق دينامية سياسية اجتماعية منفصلة عن مسار التبعية السياسية المقتصرة على مصالح الإنماء المحلي والاستقلال النسبي عن الغرب.

نقول ذلك اقتناعاً بضرورة تثبيت معادلة تنموية جديدة أصبحت حاجة تاريخية في مواجهة التفكك الحاصل والانحدار الخطير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*وزير سابق

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى