في فلسفة السؤال!
} هنادي لوباني*
من أين أبدأ؟
يلاحقني سؤال البداية.
يلاحقني كظلي.
يلاحقني كما لاحق سقراط إلى موته.
تجرَّع سقراط السم قبل أن ينفذ فيه حكم المحكمة الأثينية بالإعدام ولم يجيب على سؤال البداية ولا طبيعة الأسئلة نفسها أصلاً، بل قدّم نفسه قرباناً على مذبح الموقف الفلسفيّ في الحق المطلق في التساؤل.
قال: الحياة بلا تساؤلات لا تستحق العيش.
وإذ الحياة هي مسرح للتفكر والتأمل، كيف أضحى السؤال، أيّ سؤال،
محنة
وتعاسة
وشقاء
وكرباً
وفناء عمر
ومأساة يجب تجنّبها بأي ثمن؟
هل السؤال ترف؟
أو عبء؟
أو سدى، كلما طرح «ارتدّ البصر خاسئاً وهو حسير»؟
ولم يتعامل البعض معه كزلل
وحرام
وإلحاد
وكفر
يحق عليه مطارق الدين وسندان السلطة؟
أليس التساؤل لصيقاً بطبيعة الكون، التي لا تفي أية إجابة في سبر أغوارها وألغازها، والأقرب لنزعة الإنسان كـ «أكثر شيءٍ جدلاً»، وإقرار بضعف الإدراك البشريّ، وعجز الذات عن المعرفة الكاملة، وتواضع النفس أمام الدلائل الربوبية/ الطبيعية التي لا تنقضي؟
وبالتالي، هو لذة
وجمال
ومتعة
وعبادة
وخشوع.
وإذا كان السؤال تمظهراً للقلق الوجودي في وجه أن لا إجابة في المطلق على أي سؤال، ألا يكون سؤال البداية إلا سعياً وفعلاً وطرحاً للسؤال تلو السؤال؟
وهل السؤال عن السؤال بداية جيدة؟
يغشاني شعور بأني بت كالبِهِطليح، ذاك الذي نكد سمع البحتري وهو يعلل عجزه عن إتيان الحق باللوامع والبروق.
وما زال السؤال يلاحقني..
يلاحقني حد السأم من الوقوف على عتبة النص لأطالب بالقديم من الأسئلة:
سؤال البداية.
* باحثة وكاتبة فلسطينية.