من جديد… نظامنا الطائفي يعرقل تشكيل الحكومة؟
} عمر عبد القادر غندور
ليس صحيحاً انّ الترابط بين تشكيل الحكومة الجديدة ومسار ترسيم الحدود بإشراف الامم المتحدة بين لبنان ودولة الاحتلال في فلسطين، أو انتظار نتائج الانتخابات الأميركية هو الذي يعطل تشكيل الحكومة. وبرغم انّ مباحثات الترسيم هامة وضرورية لفضّ الاشتباك الحدودي براً ومياهاً، فقد صودف تزامنها مع اعتذار المكلف مصطفى أديب وتكليف سعد الحريري، وهي أقلّ شأناً ووزناً من نتائج ما ستفضي اليه مباحثات الترسيم التي رُحّلت الى هذا الشهر في أجواء مريحة قابلة للتبدّل في ضوء صلابة الوفد اللبناني الذي يطالب بترسيم الحدود البحرية انطلاقاً من نقطة رأس الناقورة، وهو ما لم يقبل به العدو الإسرائيلي. ومع ذلك يبدي العدو مرونة طمعاً في حوار مباشر يؤيده الأميركي ويضغط من أجله.
إذن لا رابط بين مباحثات الترسيم وتعثر تشكيل الحكومة لأنّ الترسيم شأن سيادي واقتصادي من شأنه أن يرسم آفاق المستقبل بين طمع العدو بأرضنا ومياهنا وحرص الجانب اللبناني على كلّ نقطة ماء من مياهنا وكلّ ذرة تراب من أرضنا.
أما تشكيل الحكومة يبقى شأناً داخلياً عظيم الأهمية يملأ فراغ الغياب الرسمي عن معالجة أدنى الواجبات في الأمن والاقتصاد والمال والصحة! ومن الظلم ان تستمرّ مماحكات ولادة الحكومة لأسباب تحاصصية وريعية على سائر المكونات اللبنانية.
أما الحديث عن حكومة تخصصية او تكنوسياسية او حيادية، يبقى كلاماً غير قابل للترجمة في بلد قام ويقوم على التعدّدية الطائفية والمناطقية! والرئيس المكلف يدرك ذلك وحاول منذ تكليفه ان ينتهج الكتمان بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، ولكن سرعان ما ذاع ضجيج المكونات والمرجعيات والمراجعات والمطالبة بالحقوق المهدورة. وقد تكرّس ذلك في تشرين الثاني من العام 1989 حين صادق البرلمان اللبناني على اتفاق الطائف المبهم الذي كرّس الطائفية وجعلها بأمرة زعماء الطوائف على حساب الدولة وأجهزتها ومواردها وتعاظم النهب والسرقة على كلّ المستويات حتى وصلنا الى ما نحن عليه اليوم.
ولا نستغرب اليوم الطروحات المتداولة لتشكيل الحكومة الطوائفية التي تغطيها المادة 95 من الدستور اللبناني والتي تنص: تُمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ومثل ذلك واضح وبيّن بالتقسيمات البائنة في المجلس النيابي.
وعندما تمّ تكليف الرئيس سعد الحريري بالتأليف أشيعت أجواء تفاؤلية أوحت بتشكيل حكومي في غضون أيام قليلة عزّزتها زيارات للرئيس الحريري الى قصر بعبدا، ما أوحى بأنّ التشكيل الحكومي على نار حامية، وتزامن ذلك مع انخفاض سعر صرف الدولار من ثمانية آلاف ليرة الى ستة آلاف ليرة، وتبارى ديوك السياسة منادين بتغليب المصلحة الوطنية!
وعندما بوشر بالتفاصيل تلبّدت أجواء التشكيل وتعدّدت العناوين المطلبية بين الكتل حول عدد الوزراء والثلث المعطل والوزارات الوازنة وحصرية القبض على وزارتي الداخلية والعدل بهدف الإمساك بالقضاء والعسكر والعدل وهو ما يرفضه أصحاب الشأن الآخرين، ولا نتحدث عن حقيبة الطاقة وما أدراك ما الطاقة!
كلّ هذه الألغام، من شأنها ان تؤخر استحقاق ولادة الحكومة ولا ندري إذا ما كان الرئيس الحريري سيتجرّع السمّ مرة جديدة لإنقاذ التشكيل، أو أنه سيقول للمتحلقين حول قالب الجبنة «حلوا عن ضهري»،
مخطئ من يظن انّ استقامة الأمور في لبنان، وتشكيل الحكومات يتمّ من خارج الحسابات الطائفية!
ونلاحظ كيف يتدخل رجال الدين بكلّ شاردة وواردة ويرفعون البطاقات الحمراء والصفراء بوجه اللاعبين السياسيين ولا يكاد يمرّ أسبوع دون ان يكون لمرجع ديني موقف ورأي وتحديد مسار.
هكذا هو لبنان، وهكذا سيبقى، طالما بقي نظامه الطائفي، وما لم يتفق اللبنانيون ويتوافقوا على خلع ثوبهم الطائفي وشطب الطائفة من بطاقة الهوية سيبقون على حالهم…
«إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ (١١ «الرعد»).