أردوغان… تخبّطات سياسية لا حلفاء ولا رؤية استراتيجية
} د. حسن مرهج
مع بداية ما سُمّي الربيع العربي، دأب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على اتباع سياسة أراد منها على المدى البعيد، أن يتمّ تنصيبه زعيماً إسلامياً على الشرق الأوسط، وقد ارتكز في هذه السياسة على جملة من الاستراتيجيات التي يُمكن وصفها بالإيديولوجية، فقد سعى أردوغان وعبر استهداف الناحية الدينية لجهة الدفاع عن المقدسات، إلى دغدغة مشاعر المسلمين واستمالتهم لتنفيذ أجندته في عموم الشرق الأوسط، وفي جانب ثانٍ توظيف هذه السياسات لإحداث اختراقات في غالبية دول الشرق الأوسط، تمهيداً لإعلانه خليفة للمسلمين، وصدراً أعظم في استحضار لآثار السلطنة العثمانية.
من سورية إلى العراق مروراً بلبنان وصولاً إلى ليبيا، حاول أردوغان العبث بالجغرافية السياسية، عبر توظيف الجماعات الجهادية ونقلها من جغرافية إلى أُخرى، تنفيذاً لأجندته العثمانية، وهو بذلك يقوم بتحييد نظرية رفيق دربه أحمد داوود أوغلو، لجهة سياسة «صفر مشاكل»، لكم ممارسات أردوغان قلبت هذه نظرية أوغلو لتصبح صفر جيران والمزيد من الأزمات والأعداء.
بطبيعة الحال، فإنّ السياسة الخارجية القتالية لتركيا إلى وصلت إلى طريق مسدود، حتى بات حلفاؤه في الشرق الأوسط التابعون للإخوان قوة متضائلة بشكل كبير، ولا يُمكن الاعتماد عليهم في مشاريع أردوغان العثمانية التوسعية، وبالتالي فإنّ رجب طيب أردوغان الذي سعى لأكثر من عشرين عاماً إلى إجراء تغييرات واسعة لمكانة أنقرة في العالم، باتت أحلامه اليوم بعيدة المنال أكثر من أيّ وقت مضى.
منذ أكثر من 10 سنوات، اتخذ أردوغان الذى كان رئيساً للحكومة في هذا الوقت، محوراً حاسماً في السياسة الخارجية، فلم تعد تركيا تقف على أبواب الاتحاد الأوروبي متوسلة للسماح له بالدخول، وبدلاً من ذلك رأى أنه يمكن لتركيا مرة أخرى إظهار قوتها الإقليمية وتوسيع نفوذها على رعايا الإمبراطورية العثمانية السابقة في الشرق، وتصبح قوة عالمية لا يُستهان بها.
وكانت هذه الفكرة قد استحوذت على مخيّلة قاعدته الشعبية ودعمت محاولته لتعظيم اتساع سلطاته، وعندما حقق حلفاء أردوغان في مصر «الإخوان» وسورية مكاسب في السنوات الأولى مما يُعرف بالربيع العربي، بدا أنّ حلم أردوغان يتحقق.
لكن بعد مرور 10 سنوات، أصبح حلفاء أردوغان في المنطقة، وهى جماعات تابعة في الغالب للإخوان، قوة متضائلة بشكل كبير، فبعيداً عن معاقل دعم الرئيس التركي الإقليمية في قطر والصومال وحكومة الوفاق في ليبيا، فإنّ هذا الأمر أثار غضب قادة المنطقة، ومن ناحية ثانية، أثار حفيظة الدول الأوروبية مثل فرنسا واليونان وقبرص التي حاولت احتواء نفوذ تركيا في شرق البحر المتوسط.
في جانب موازٍ، فإنّ الاقتصاد التركي وجراء سياسات أردوغان، فقد تعثر كثيراً ولم تعد جزئيات الاقتصاد التركي المتنامي، تحمل تأثيرات سياسية فاعلة ومؤثرة، ناهيك عن تداعيات انتشار فايروس كورونا، فقد سبّب الاقتصاد التركي المتردّي حجر عثرة في مشروع أردوغان، وقيّد قدرته على التخلص من عزلة تركيا المتزايدة.
بات واضحاً أنّ تركيا أردوغان، حاولت تطويع الدول الإسلامية خدمة لسياسات انقرة التوسعية، لكن بالنظر إلى الدول التي تتماهى مع سياسة أردوغان، فإنه يُمكننا القول، أنه باستثناء قطر والصومال وحكومة الوفاق الليبية، فإنه لم يعد لأردوغان أصدقاء يمكن الاعتماد عليهم في استراتيجيته التوسعية، فقد بات الواقع مُغايراً لطموحات أردوغان، فها هو يفقد أوراق قوته في سورية، وبات العداء مع روسيا يُنذر بالمزيد من التصدّعات في العلاقة الروسية التركية، وتحديداً عقب اندلاع المعارك في ناغورني قره باخ، والدعم التركي اللا محدود للإرهابيين الذين نقلهم أردوغان من مناطق الصراع في سورية وليبيا، إلى حدود روسيا، الأمر الذي بات يُشكل تهديداً جدياً للاتحاد الروسي، فضلاً عن انكساراته في ليبيا، وتوسّعه شمال العراق، ناهيك عن جزئيات الصراع شرق المتوسط. كلّ هذه المعطيات تضعنا أمام حقيقة واحدة، تتمثل في بقاء أردوغان وحيداً في مواجهة غالبية القوى الإقليمية والدولية، وبهذا الغباء الذي يُهندسه أردوغان، فإنه لم يعد قادراً على المضيّ في سياساته العثمانية، وبكلّ تأكيد فإنه سيبحث عن مخرج يُجنّبه المزيد من الأزمات الخارجية والتي ستنعكس حُكماً على الداخل التركي، في تهديدٍ واضح لمستقبله السياسي في حزب العدالة والتنمية.