لماذا تفضّل روسيا وإيران فوز ترامب؟
ناصر قنديل
– تلتزم موسكو وطهران على الصعيد الرسمي وشبه الرسمي الصمت تجاه المنافسة الانتخابيّة الرئاسية الأميركية، بينما يحبذ الجمهور العريض في روسيا وإيران الشماتة بهزيمة الرئيس دونالد ترامب ورؤية المرشح الديمقراطي جو بايدن رئيساً. ومع موسكو وطهران في اعتماد الصمت يشترك حلفاؤهما، فيما يشترك جمهور الحلفاء في تمنياته مع تمنيات جمهور الروس والإيرانيين. وبينما يذهب كثيرون الى اعتبار الصمت والحياد نوعاً من الدعم الروسي والإيراني للمرشح جو بايدن، لأن الإيحاء بالعداء لعودة ترامب قد يساعد ترامب في استنهاض وطنية أميركية ربما تسهم بخدمة ترامب انتخابياً كمرشح الاستقلال الاميركي، خصوصاً أن عدائيته لروسيا والصين وايران كانت ظاهرة خلال ولايته الرئاسية، بينما يكفي التزام بايدن بالسعي لإعادة العمل بالاتفاق النووي مع إيران، والتزامه العودة للاتفاقات الدولية كاتفاقية المناخ والحدّ من الأسلحة ومنظمة التجارة العالمية وتقنين العقوبات، كأسباب للاعتقاد بترجيح وجود تمنيات روسية وإيرانية بفوز بايدن.
– الأكيد أن فوز بايدن لن يكون مزعجاً لموسكو وطهران أكثر مما أزعجهم ترامب في ولايته الأولى، لكن ترامب الثاني ربما يكون مفضلاً في كل من موسكو وطهران رغم الظاهر من مزاج راغب بالشماتة بهزيمته في البيئات الشعبية الروسية والإيرانية والحليفة. فالتقديرات في موسكو وطهران أن ترامب الثاني ليس ترامب الأول، والقلق الروسي والإيراني من نتائج خسارة ترامب بوقوع أميركا في الفوضى كاحتمال مرجّح لا يريح موسكو وطهران، لأنه يطلق يد المتطرفين في رسم السياسات الخارجية والخطوات العسكرية، وربما يهدّد بانفلات السيطرة في كثير من المجالات. وهذا معاكس لتمنيات شائعة بدخول اميركا في الفوضى من موقع الرغبة بالانتقام مما لحق العالم من غطرستها واستثمارها لتفوقها المالي والعسكري. والأهم بعيون موسكو وطهران فإن ترامب الثاني يصل منهكاً على الصعيدين الخارجي والداخلي، فهو لم يعُد لديه ما يفعله في لغة العداء والتصعيد وصار معنياً لضمان التفرغ للوضع الداخلي المتهالك، بإيجاد قدر من الاستقرار السياسي الدولي، والطريق واحد وهو التفاوض الهادف لصناعة تفاهمات مع مثلث موسكو وبكين وطهران.
– في موسكو وطهران وحتى في بكين، قناعة بأن أي تفاهم يصنعه الديمقراطيّون سيكون محكوماً بالسعي لشراء المصداقية من الجمهوريين بإظهار عدم التفريط بالمصالح الأميركية، وهو ما قالته تجربة الاتفاق النووي مع إيران، بينما الجمهوري يذهب للتفاهم متحرراً من هذا العبء، وما يتم التفاهم عليه مع الجمهوري يتصف بالثبات. هذا إضافة الى ان الرئيس الأميركي عموماً، جمهورياً كان او ديمقراطياً، يتحرّر في ولايته الثانية من شعبوية خطابه السياسي ويستطيع أن يتحرر من عقدة ارضاء الناخبين التي تحكمه في ولايته الأولى طلباً للثانية.
– يقول مرجع فاعل في السياسة الخارجية في الحلف المناهض لواشنطن، إن أميركا المتماسكة والضعيفة أفضل بكثير من أميركا المنقسمة والمتخلخلة والذاهبة للفوضى، وربما يكون هذا مرجحاً مع ترامب أكثر من بايدن، الذي ستكون لفوزه الهشّ تداعيات تأخذ أميركا نحو الفوضى الداخلية، وربما فقدان السياسة والسيطرة خارجياً وارتكاب الحماقات، ويضيف أن رئيساً أميركياً يُنظر اليه في واشنطن بأنه المتشدّد والقويّ هو الأفضل لصناعة تفاهمات ثابتة، ستفرضها موازين القوى ومحدوديّة الخيارات، بعد استنفاد الاختبارات، وهذا كله ينطبق على عودة ترامب، بينما الرئيس الضعيف والذي ينظر له بأنه متساهل ومتنازل، سيعني تشدداً في التفاوض وسعياً لاكتساب المصداقية من إظهار التشدد.
– لن يغضب الروس والإيرانيون والصينيون إذا فاز بايدن وستحتفل شعوبهم شماتة بسقوط ترامب وعدوانيّته، لكنهم سيستعدون لمرارة تفاوض مملّ ومتعب ومحكوم بالإحباطات الكثيرة، بينما ربما سيفرحون بفوز ترامب ويستعدون معه لوضع تفاهمات عنونها الانسحاب الأميركي من المنطقة، بعدما غسل ترامب يديه مما يمكن أن يفعله لكيان الاحتلال. والانسحاب يستدعي تفاهمات يعرف ترامب سلفاً شروطها، وثمة من يقول في حملة بايدن، إن إعلان طهران بأنها غير مهتمة بمن يحكم البيت الأبيض هو تصويت غير مباشر لترامب، بينما التصويت ضده كان له عنوان آخر كان ينتظره الديمقراطيون، هو التأكيد على ان الأميركيين سيقررون مستقبل العالم بين الدفع نحو الحروب والاستثمار في السلام وفقاً لمن سيختارون لرئاستهم.
– في موسكو وطهران وبكين ربح معنويّ أكيد بسقوط ترامب، وربح سياسي أكيد بفوزه. وهذا ربما سرّ الحياد الذي تضمّنه كلام المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران الإمام علي الخامنئي.