أخيرة

سوق المنتجات الريفيّة السوريّ أيادٍ نسويّة مباركة تدعم أسرها وتهزم الحصار بحلفٍ والطبيعة

أرادت مضاء عيد، المرأة الخمسينيّة من ريف اللاذقية، أن تعمل وتنتج وتسوّق إنتاجها الريفي البسيط لتحسين دخل أسرتها التي ازدادت طلبات أفرادها وكثرت احتياجاتهم إلى الحد الذي لم يعُد دخل الأب يكفي لتغطية طلبات الحياة الأساسية في ظل غلاء المعيشة والظروف الاقتصادية الصعبة نتيجة الحصار الخانق الذي فرضته الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية على سورية.

انطلاقاً من مبدئها في الحياة القائم على أن «العمل عبادة»، أعطت عيد، الأذن الطرشاء لكلام المجتمع الريفي الذي لا يزال يروّج للرجل الشرقي وتبعية المرأة له اقتصادياً، وتعامت عن نظرات النسوة المشبعة بالاتكالية، وتفنّنت باستغلال الموارد الطبيعية والزراعة في صناعة منتجات غذائية عدّة، بالإضافة لصابون الغار والأعمال اليدوية، لتساهم إلى جانب غيرها من النساء الريفيات المنتجات في تعزيز التنمية الزراعية والريفية وتحسين مستوى الأمن الغذائي والقضاء على الفقر في الأرياف، وانعكاسه على تحسين المستوى المعيشي للأسرة.

عن تجربتها، تقول مضاء لـ»سبوتنيك»: أصنع دبس الفليلفة، دبس الرمان، رب البندورة، زيتون مرصوص، تين هبول، خل التفاح، بالإضافة لصناعة صابون الغار، كما أبيع الرمان والحمضيات والجوز البلدي، مضيفة: كل هذه المنتجات والمواد طبيعية 100 % من خيرات الأرض التي أعمل بها أنا وزوجي لتحسين مستوى معيشتنا، فرغم أن زوجي موظف في معمل الغزل، إلا أن تكاليف الحياة باتت مرهقة ولا يكفي راتب زوجي للتكفل بها.

البداية منذ 9 سنوات

عن بداية عملها في صناعة المنتجات الغذائية وبيعها، قالت عيد: منذ 9 سنوات طلبت صديقتي، تقطن في دمشق، أن أبحث لها عن سيدة تصنع دبس الفليفلة في منزلها لأنها لا تريد أن تشتري من السوق. بحثت وسألت معارفي وأقاربي إلا أنني لم أحظَ بسيدة تبيع دبس فليفلة في منزلها، مضيفة: لتلبية طلب صديقتي عرضت عليها أن أعطيها دبس فليفلة من مونة بيتي، فقبلت بشرط أن أخذ ثمنه، وبعدها أصبح أقارب صديقتي يتوسّطون لديها لتوصيتي على صناعة دبس فليلفلة لهم بعد أن تذوّقوه، وهذه كانت بدايتي ببيع منتجاتي المنزلية بأسعار رمزية مع هامش ربح بسيط على تكلفة المواد.

 استثمار ذاتيّ

وتابعت عيد: قلت لنفسي أنني أجلس في المنزل بدون عمل فلماذا لا أستثمر منتجات الأرض بصناعة المواد الغذائية وبيعها ومساعدة زوجي في إعالة أسرتي وتحسين دخلنا، خاصة في ظل غلاء المعيشة وزيادة متطلبات الأولاد، وعليه أصبحت أصنّع المنتجات الغذائية وأبيع لأصدقاء والمعارف وكل من يوصيني من قريتي أو من القرى المجاورة، حتى أنني قمت بالبيع إلى دمشق وحلب وطرطوس.

وأردفت عيد: كنا في السابق نجمع الزيتون العرجوم (وهو الزيتون الذي يسقط على الأرض ويجفّ) ونقوم بعصره، ومن ثم نطلب من رجل كبير في السن كان يعمل بصناعة الصابون أن يأتي إلينا ليصنّع لنا من زيت العرجوم صابون غار، وبعد مرات عدة، طلبت منه أن يعلمني وزوجي طريقة الصناعة وبالفعل تعلّمنا صناعة الصابون وأصبحنا نقوم بصناعته بمفردنا وبيعه.

وأشارت عيد إلى أنه بالإضافة لبيع منتجاتها للأقارب والمعارف فإنها توجهت أيضاً إلى السوق الشعبي الذي تقيمه مديرية زراعة اللاذقيةدائرة تنمية المرأة الريفية في مدينة جبلة، لتسويق منتجات المرأة الريفية ومساعدتها على تنوّع مصادر دخلها والتمكن من تحقيق قدراتها وتأمين مورد اقتصادي يحفظ لها كرامتها ويساعدها على إعالة أطفالها، وأضافت: كل يوم تقريباً أنزل إلى السوق في الفترة التي يذهب بها أولادي إلى المدرسة، وما أبيعه في السوق يساعدني على تدبر أمور أسرتي. فالمال الذي كسبته من عملي خلال فترة الصيف ساعدني كثيراً في شراء المستلزمات المدرسية لأولادي في بداية العام الدراسي.

وأكدت عيد أن المنتجات التي تصنّعها وتبيعها أجود وأنظف من المواد التي تباع في السوق وبأسعار أرخص تناسب الفقراء وذوي الدخل المحدود، مبينة أن  المنتجات التي تطعم أولادها منها تبيع منها للأشخاص الذين يشترون منها، مؤكدة أن هناك نساء كثيرات أصبحن يستثمرن موارد الطبيعة في الصناعة وبيع المنتجات لتحسين دخل أسرهن.

وعن غايتها من العمل، لفتت عيد أنها تريد أن تحسن مستوى دخل العائلة وان لا ينقص على أولادها شيء، مضيفة: أتحدى أي أحد أن يقول أني اقصر بواجبي نحو منزلي أو أولادي الذين يتفوقون على نظرائهم في المدرسة. أو أن يقول إننا استدنا المال من أحد لأي سبب كان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى