رياضة

صورة مع «النجوم» للتباهي ولو كلّفت الاقتراض!

} إبراهيم موسى وزنه

بالرغم من ثقل الضائقة الاقتصادية التي تقع على كاهل الشعب اللبناني، وبالرغم من اتساع رقعة البطالة، وخصوصاً الشباب من حملة الإجازات الجامعية، تبرز في لبنان «صرعة» التقاط الصور مع نجوم كرة القدم العالميين، وما يترتّب عليها من تكاليف ومصاريف تصنّف في خانة التباهي من خلال تحقيق الإنجاز والوقوف إلى جانب ذلك النجم. مئات اللبنانيين إن لم نقل الآلاف، «بروفايلاتهم» تخبرنا عن صيدهم الثمين الذي دفعوا للظفر به ما يفوق إمكاناتهم، والمؤلم أنّ بعضهم اضطر للاقتراض، ربما تحت نوع جديد من القروض، «تصوّر مع نجمك المفضّل».

في هذا التقرير، حدّثنا علي عن رحلته المضنية لتحقيق حلمه، وأخبرنا  سمير، «الوسيط» بين الشباب ونجومهم خبريات لم تخطر على بال، كما وقفنا على رأي علم النفس من هذه الظاهرة، وختاماً مع فسحة الأمل والفرح، مع تغيّر المشهد وانقلاب الصورة من خلال سعي النجوم العالميين للفوز بصورة مع أحد المعوقين أو المتعبين.

وأخيراً حققت حلمي

علي رمضان، شاب عشريني، ميسور الحال، سافر إلى إسبانيا أكثر من مرّة طمعاً بالتقاط صورة مع نجوم فريق برشلونة وفي مقدّمهم الأرجنتيني ليونيل ميسي، قال في هذا السياق: «كنت أرصد مكان إقامة الفريق الكتالوني عند مجيئه إلى العاصمة مدريد، أجلس لساعات في بهو الفندق متحيّناً الفرصة لملاقاة أحد لاعبي الفريق الذي أعشقه، ولطالما منعني رجال الأمن من الاقتراب من أحدهم، حتى عند صعودهم إلى الحافلة التي تقلّهم إلى الملعب كنت أُواجَه بالمنع والدفع».

 ويضيف رمضان: «بعد سفرتين لم أوفّق فيهما بالتقاط أيّ صورة، أرشدني أحد الأصدقاء إلى «جسر العبور» نحو النجوم، يومها نصحني بالاتصال بالسيد سمير شمخا، لكونه الوسيط المقرّب من معظم اللاعبين في الدوري الإسباني، وسريعاً نجحت في التواصل معه، تمنيّت عليه مساعدتي، وبالفعل في محاولتي الثالثة برفقته، نجحت بالتقاط الصور مع معظم اللاعبين الذين حلمت بمصافحتهم والوقوف إلى جانبهم».

«جسر العبور» إلى النجوم

في مقتبل العمر هاجر اللبناني سمير شمخا إلى البرازيل، أمضى فيها سنوات طوالاً حتى أتقن اللغة البرازيلية وتعرّف على الكثير من نجوم كرة القدم، ومنذ سنوات عدّة عاد ليستقر في بلده لبنان، وسريعاً افتضح أمر مساعيه الحميدة لجهة تسهيل أمور الراغبين بلقاء نجوم «الليغا» والفوز بصورة معهم، كميسي وداني ألفيش وبيكيه وراكتيتش وجوردي ألبا وبوسكيتس وهؤلاء من أعز أصدقائه، تهافت عليه الأصحاب وغير الأصحاب من كلّ الجهات، ولم يخيّب آمال أيّ منهم.

عن تفاعل النجوم مع الموضوع، سلباً أم إيجاباً، قال شمخا: «يتقبّلون الأمر بابتسامة ورحابة صدر، وأكثر ما يتفاعلون باهتمام مع صغار السن، وأحياناً تنهمر الدموع من عيونهم عند تحقيق رغبة أحد المرضى أو المعوّقين، ومع الوقت صاروا يحملون أقلاماً في جيوبهم للتوقيع على القمصان والأشياء الشخصية».

وختم شمخا شارحاً: «هناك توقيت مناسب لالتقاط الصور، كثيرون لا يدركون هذه الأمر، فيوم المباراة لا مجال لذلك، وبطبعي لا أقبل أن أؤثّر سلباً على تركيزهم، وأكثر ما يتهافت الشباب إلى إسبانيا لتحقيق مبتغاهم خلال «الكلاسيكو»، يتابعون المباراة من المدرّجات لكنّ عقولهم في مكان آخر، فالصورة مع ميسي هي الغاية والمرتجى والهدف».

وفي إسبانيا، نجح شمخا بنسج علاقات طيّبة مع بعض نجوم الفريق الملكي، ولذلك طرق «الرياليون» بابه أملاً بتيسير أمورهم وصولاً إلى التقاط صورة مع نجومه. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ تكلفة المشروع للفرد تتراوح ما بين 1500 و2000 دولار.

بين الشغف وإشباع الرغبة

عن هذه «الصرعة» قالت المتخصِّصة في مجال علم النفس والاجتماع نور زهير وزنه: «كلّ ما في الأمر أنّ في داخل كل إنسان شغفاً ما، وهؤلاء لديهم شغف بلعبة كرة القدم مصحوب بإعجابهم بالفريق أو النجم الفلاني، فيجتهدون لترجمته من خلال التقاط الصور ليرتاحوا ويسجّلوا انتصارات لذواتهم، ومن ثمّ تفاخرهم بإنجازاتهم أمام الآخرين».

وأوضحت وزنه: «من منطلق السعي إلى إشباع الرغبة والظهور بطريقة أفضل يقوم الشاب بأمور عدّة منها التقاط الصور مع المشاهير، وللأسف هكذا أصبح المجتمع في ضوء التركيز على المظهر والابتعاد عن المضمون، فهناك لائحة من الأمور والأعمال يسعى الفرد لتحقيقها بهدف إظهار الصورة التي يريدها لنفسه أمام الآخرين في سياق التفاخر والتباهي، وكلّ حسب طاقته وقدرته، فللفقير لائحة وللطبقة المتوسطة لائحة مختلفة وكذلك للميسورين، وأحياناً تقود الرغبات بعضهم لتجاوز حدود إمكانياتهم، وهنا تحصل الهفوات وتقع المشاكل».

لقاءات بنكهة إنسانيّة

تختلف الصورة بكلّ تفاصيلها ومضامينها، ما بين متربّص متسلّح بالشغف المصحوب بالتباهي، تكلّف مالاً وسفراً لسجن لحظة مصوّرة في ألبوم الذكريات، وبين من عبّدت ظروفهم الصحية والإنسانية طريقهم لاحتضان النجوم ومجالستهم.

من وقت إلى آخر نسمع ونقرأ عن تحقيق أمان لبعض الأطفال من لبنان أو سورية من المرضى والأيتام، وغالباً ما تكون موافقة النجوم على لقاء مثل هذه الحالات نابعة من إنسانية اللاعب في سياق تقديم الصورة الزاهية للرياضة بشكل عام وصورته بشكل خاص.

بالعودة إلى الأحداث التي تلت الانفجار الذي وقع في محلّة برج البراجنة، إحدى ضواحي بيروت في العام 2015، نسترجع صور الطفل حيدر مصطفى إبن الثلاث سنوات الذي فقد والديه في ذلك اليوم الأسود، كيف سافر إلى إسبانيا والتقى مع نجمه المفضّل رونالدو في ملعب سانتياغو برنابيو، وكيف شاركه رئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز البكاء في لحظة طغت عليها العواطف ليس إلا.

وفي لفتة «مدريدية» أخرى، أخبرنا الشاب مصطفى علي مروة  تفاصيل لقائه بمعظم نجوم ريال مدريد في النادي واحداً تلو الآخر، وذلك بعدما أخذت جمعية «تمنّي» على عاتقها تحقيق أمنيته، ومصطفى الذي ترك المدرسة لكونه مصاباً بمرض الضمور العضلي الشوكي «اس ام ايه»، أخبرنا مستذكراً: «أوصلت أمنيتي إلى جمعية «تمنّي» وبعد ثلاثة أشهر طلبوا مني الاستعداد للسفر إلى إسبانيا، يومها رافقتني والدتي، وكنت أترقّب المشهد قبل حصوله، وهناك عشت ايّاماً رائعة، التقيت بالكثيرين من أمثالي ممن يحلمون بلقاء النجوم، فالنادي الملكي يخصِّص أياماً عدّة في كل عام لمثل هذه المبادرات الإنسانية. تصوّرت مع الجميع، وأكثر من لفتني بتفاعله الرائع البرازيلي مارسيلو، شاهدنا التمارين، ونزل البعض إلى أرض الملعب لمشاركة النجوم اللعب».

ولما سألته: لو تسنّت لك الفرصة أثناء تواجدك في إسبانيا للقاء نجوم برشلونة، هل كنت ستغتنمها؟ فردّ من دون تردد: «لا أوافق على التقاط أي صورة مع لاعب من فريق برشلونة». ثمّ ختم: «الحمدلله لقد حققت أمنيتي وكلّ الشكر لجمعية تمنّي».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى