حتى لو فاز بايدن.. إنها أميركا ترامب الآن!
تساءلت وسائل إعلام أميركية عن نتائج السباق الرئاسي المتقاربة بين المرشحين دونالد ترامب وجو بايدن..
في هذا الصدد، تقول مجلة «فورين بوليسي» في مقال لرئيس تحريرها جوناثان تبرمان، إن «نصف الناخبين الأميركيين تقريباً أيدوا كاذباً متسلسلاً قومياً أبيض، أخطأ بشكل مذهل في أخطر أزمة صحية منذ قرن».
وأضاف الكاتب في مقاله «إنهم تجاهلوا عن قصد، أو تبنوا عن قصد، قسوة ترامب الصارخة والتمييز على أساس الجنس، وافتقاره إلى المعرفة بشأن الحكومة والعالم، وازدرائه للقيم الأميركية التقليدية مثل اللعب النظيف وسيادة القانون، وحرصه على هدمه مؤسسات الحكم».
وبالعودة إلى عام 2016، أشار المقال إلى أن «بعض الجمهوريين صوّتوا لصالح ترامب لأنهم لم يعرفوا الكثير عنه، أو لأنهم كانوا يأملون في أن تحوّله مسؤوليات المكتب إلى رجل دولة، لكن كلنا نعرف الآن بالضبط مَن هو ترامب».
وتابع: «عندما تأخذ في الاعتبار الحقائق التي تفيد بأن ترامب قد فاز بأصوات أكثر هذه المرة مما كان عليه في عام 2016، وأنه حسّن مكانته بين الناخبين اللاتينيين والسود، وأن الحزب الجمهوري ربما يشغل مجلس الشيوخ، يتبقى لك استنتاج واحد: أياً كان من يفوز بهذا، فنحن جميعاً نعيش في أميركا ترامب الآن».
وأشار تبرمان إلى أنه «بالنسبة للمبتدئين، فإن استعراض القوة الذي يقدمه ترامب وحزبه يعني الفوز أو الخسارة، وترامب لن يرحل والحزب الجمهوري لن يتخلى عنه بعد كل شيء. قبل الانتخابات، بدت نهاية ترامب وكأنها شيء أكيد. كان المزيد والمزيد من الجمهوريين يجادلون بهدوء بأن الحزب بحاجة إلى الإصلاح، وأن أربع سنوات أخرى من حكم ترامب ستقضي عليهم جميعاً. حتى المؤيدين الأقوياء مثل السناتور جون كورنين بدأوا في الابتعاد عن ترامب. الآن بعد أن قام ترامب وهؤلاء المؤيدين بعمل جيد في الانتخابات، من الصعب تخيل العديد من الجمهوريين يتخلون عن ترامب أو الترامبية في أي وقت قريب».
بدوره، أكد رئيس تحرير «فورين بوليسي» أنه «مع وجود حزبه وما يقرب من نصف الجمهور خلفه، سيستمر ترامب المتمكن – سواء كرئيس أو زعيم معارضة أو مغرد مستقل ونجم إعلامي – في جذب مستويات هائلة من الاهتمام والدعم، والتي سيستخدمها للتغلّب على الديمقراطيين وتقويضهم، ودفع رسالته التي تعتمد على مبدأ: نحن في مواجهة الخبراء وكل شخص آخر، التي بعث بها على مدار السنوات الأربع الماضية، وفي المقابل، سيبقى الجمهوريون المعارضون لترامب، مهمّشين أو سيتركون الحزب تماماً».
ووفق قوله، فإنه «إذا فاز الحزب الجمهوري بالبيت الأبيض، أو خسره، لكنه سيطر على مجلس الشيوخ، وعندها الشلل السياسي في السنوات الأربع الماضية سيستمر – أو حتى يتفاقم وقد لا تكون الأمور أفضل بكثير في عهد نائب الرئيس السابق جو بايدن. ومن الصعب أن نتخيل أن الرئيس بايدن، إذا حصل على هذا اللقب، سيحقق شيئاً ما، ما لم ينجح في تحقيق فوز في مجلس الشيوخ والذي يبدو غير مرجّح».
كما رأى الكاتب أن «بايدن قد يسعى إلى تغيير اللهجة في واشنطن، وسنوات رئاسة باراك أوباما أظهرت تفاني بايدن في الشراكة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، لكن طالما أن الجمهوريين هم الذين يرفضون التعاون، فإن فرص تحقيق ذلك تقترب من الصفر»، مشيراً إلى أنه «في ظل حكومة منقسمة، من المحتمل أن نرى المزيد من التقاعس عن العمل بشأن المشكلات الضخمة مثل الوباء (على الرغم من أن بايدن يمكنه إجراء بعض التحسينات باستخدام سلطته التنفيذية) والاقتصاد (حيث لا يستطيع فعل الكثير من دون الكونغرس)»،و إذا فشل بايدن في اجتياز تخفيف تأثير أزمة كورونا والإنفاق الحكومي، فسوف تتعثر الأسواق وسيزداد عدم الاستقرار المالي».
في سياق متصل، جاء في مقال في «واشنطن بوست» للكاتب إيشان ثارور الذي يُعنى بتغطية شؤون أميركا الخارجية والجغرافيا السياسية والتاريخ، إن «إحدى النتائج الواضحة للانتخابات الأميركية هي نهاية الوهم، ففي عام 2019، وصف المؤرخ الرئاسي المعروف رون تشيرنو الاضطرابات التي حدثت في فترة ولاية الرئيس ترامب، بأنها لحظة مقلوبة رأساً على عقب، وفترة سريالية في الحياة الأميركية، وكان تشيرنو يردد الكثير مما يمكن أن يحفز الدعم لمنافس ترامب الديموقراطي جو بايدن، لا سيما بين المجموعة الفرعية الصغيرة والمؤثرة من الجمهوريين المعارضة لترامب».
وتمّ وصف سياسات ترامب المتعلقة بالمواطنين الأصليين في الداخل والحمائية في الخارج على أنها «غير أميركية»، كما أن «خطابه الفاسد والتعامل الذاتي والفردي مع الوقائع كان ينظر إليها على أنها انحرافات، وإدارته الضعيفة في تعاملها مع وباء كورونا كان بمثابة خيانة لإرث قيادة قوية للبيت الأبيض وسط الأزمة»، وفق الكاتب.
في المقابل، رأى الكاتب أن «بايدن مثّل إمكانية استعادة الأعراف المقدّسة، واللياقة وروح الإجماع في السياسة الأميركية»، وقال: «مع بدء فرز الأصوات بدا أن نصف أميركا تقريباً لم تكن مقتنعة. فاز بايدن بأصوات أكثر من أي مرشح رئاسي أميركي في التاريخ، وظل المرشح الأوفر حظاً للفوز بالكليّة الانتخابيّة مع استمرار عدّ الأصوات في عدد قليل من الولايات المتصارعة. لكن ترامب، كما في 2016، فاق التوقعات السائدة ومعظم استطلاعات الرأي. عدد الأميركيين الذين صوتوا له هذا العام أكثر مما فعل عندما صعد إلى السلطة باعتباره دخيلاً مناهضاً للمؤسسة قبل أربع سنوات. تحطمت طموحات الديموقراطيين لتوسيع قبضتهم على مجلس النواب وقلب مجلس الشيوخ لمصلحتهم».
وكتب كليمنس ويرجين، كبير المراسلين الأجانب لصحيفة «دي فيلت» الألمانية: «لم يرفض الأميركيون، كما كان كثيرون يأملون، الترامبيّة بقوة – حتى لو فاز بايدن في النهاية».
في أوروبا، أعرب مسؤولون كبار عبّروا عن أسفهم لـ»اضطراب» الانتخابات الأميركية، وحذّروا من وضع «متفجر» محتمل. وأصدر مراقبو الانتخابات من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا – التي دعمت واشنطن عملها في العديد من الديمقراطيات الوليدة – بياناً ذكّر السلطات الأميركية بـ»الالتزام الأساسي» بفرز جميع الأصوات. وقال مايكل جورج لينك من بعثة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا: «المزاعم التي لا أساس لها، لا سيما من قبل الرئيس الحالي، بما في ذلك ليلة الانتخابات، تضرّ بثقة الجمهور في المؤسسات الديموقراطية».
وكتبت الصحافية مونيكا هيسه: «لن تكون هناك انهيارات أرضية، بل سيكون هناك صنانير وفكوك متضخمة – وربما معارك قضائية. لكن أربح أو خسر، لن تنجرف الترامبية في مزبلة التاريخ؛ سيبقى في جميع أنحاء الأثاث. إنه جزء من الأثاث».
ووفق الكاتب فإن «الحقيقة التي لا مفر منها لنتائج الانتخابات هي أن الترامبية ستظل تياراً قوياً في السياسة الأميركية».