الولايات المتحدة وهندسة صفقات الأسلحة في «الشرق الأوسط»
} أمجد إسماعيل الآغا
بسيطرة شبه كاملة على أسواق الأسلحة في الشرق الأوسط، تلعب الولايات المتحدة وحلفاؤها دوراً مهماً في تأجيج بعض الصراعات الأكثر تدميراً وتطرفاً في العالم، فالشرق الأوسط الذي مزقته الحروب على امتداد عقود، من سورية إلى العراق وليبيا واليمن، يتضح تأثير الأسلحة الأميركية في هذه المناطق، فضلاً عن مناطق الصراع المتعدّدة في الشرق الأوسط، ولعل من خلال الحقيقة المذهلة التي تؤكدها الأرقام، يتضح وبشكّل جليّ أنّ واشنطن هي أكبر مورّد لـ 13 دولة في المنطقة، وعلى سبيل المثال فإنّ السعودية تبلغ حصتها من الأسلحة الأميركية ما يقارب 74%، وكذا «إسرائيل» بنسبة 78%، فضلاً عن أنّ إدارة ترامب مضت قدماً في خطتها لبيع طائرات «أف 35» وطائرات بدون طيار للإمارات. كلّ ذلك يأتي في إطار الإتجار بأدوات الموت والدمار، والذي سيكون ركيزة أساسية لتطبيق الأجندة الأميركية في الشرق الأوسط.
حقيقة الأمر، أنّ اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات و»إسرائيل»، لم يكن إلا وسيلة أخرى تمهّد الطريق أمام المزيد من صفقات الأسلحة بين واشنطن من جهة، وأبو ظبي وتل أبيب من جهة ثانية، لكن في المقابل، فإنّ ترامب ومن خلال اتفاق التطبيع، له غاية يُراد من خلالها القول بأنّ ترامب صانع السلام، بل ويستحقّ جائزة نوبل للسلام، الأمر الذي ردّده أنصاره وفق سيمفونية جاءت تحت عنوان «اتفاقيات أبراهام». كلّ ذلك هندس لتكون أوراقاً رابحة بيد ترامب، قبيل انتخابات تشرين الثاني، مع التأكيد على ميل ترامب لاستغلال السياسة الخارجية والعسكرية لتحقيق مكاسب سياسية محلية.
في هذا الإطار، بات واضحاً أنّ ترامب يحاول ترتيب أوراق تجارة الأسلحة في الشرق الأوسط، ليتمّ صرفها مكتسبات سياسية في الداخل الأميركي، لجهة تعزيز وضعه الانتخابي. هذه السياسات بدأت في عام 2017، خلال أول رحلة خارجية رسمية له إلى السعودية، حينها اعتمدت السعودية سياسةً تعزز من صورتهم لدى ترامب، ووضعوا لافتات تحمل صورة وجهه على طول الطرق المؤدية إلى الرياض، وعرض صورة عملاقة لوجه ترامب على الفندق الذي كان يقيم فيه، ومنحه ميدالية في حفل سوريالي في أحد قصور المملكة. كلّ ذلك وغادر ترامب المملكة حاملاً معه 560 مليار دولار، على شكل صفقات سلاح وغيرها من العقود في مختلف المجالات.
إنّ غالبية اللاعبين الأساسيين في حروب اليوم، لا ينتجون أيّ أسلحة، وإن أنتجوا فإنها لا تضاهي القدرة التدميرية للأسلحة الأميركية، ما يعني استمرار الاعتماد على السلاح الأميركي لضمان استمرار التفوق العسكري، الأمر الذي يشي بأنّ الواردات من الولايات المتحدة هي الوقود الحقيقي الذي يدعم الصراعات في المنطقة، على الرغم من وضع الأسلحة الأميركية في إطار تعزيز الاستقرار في المنطقة، بوصفها أسلحة لردع الآخرين، أو وسيلة لتعزيز التحالفات، أو مواجهة إيران، أو بشكل عام أداة لخلق توازن قوى. كلّ ذلك يجعل الاشتباك المسلح أقلّ احتمالاً.
النزاعات الرئيسية في المنطقة سببها الأول تدفق الأسلحة الأكثر تفوّقاً، فالأمر بالنسبة لصانع السلاح الأميركي لا يعدو عن كونه تجارة مربحة، تغدق على الخزينة الأميركية مليارات الدولارات، وبصرف النظر عن الكوارث التي تسبّبها هذه الأسلحة، ومسؤولية واشنطن المباشرة عن آلاف القتلى في المنطقة، إلا أنّ الولايات المتحدة ليست مسؤولة وحدها، وإنما تقع المسؤولية أيضاً على الدول التي تغذي الحروب الأكثر عنفاً في الشرق الأوسط.
في المحصلة، فإنه إذا ما تمّ إعادة انتخاب دونالد ترامب، فلا يتوقع أنّ تتضاءل مبيعات الولايات المتحدة للشرق الأوسط أو آثارها القاتلة في أيّ وقت قريب، ولكن يحسب لـ جو بايدن أنه تعهّد إذا ما وصل إلى البيت الأبيض، فإنه سيقوم بإنهاء إرسال الأسلحة الأميركية إلى المنطقة، وإنهاء دعم الحرب السعودية في اليمن.
لكن مع ذلك، فإنه بالنسبة للمنطقة فإنّ هذه الأسلحة ستستمرّ بالتدفق حتى إن انتخب بايدن رئيساً، فالأعمال التجارية التي تقوم بها كبرى الشركات الأميركية المصنعة للسلاح، ستستمرّ بعقد صفقاتها التجارية مع دولٍ كـ السعودية والإمارات و»إسرائيل» وتركيا، الأمر الذي سيكون له منعكسات على شعوب هذه المنطقة، وفي جانب ثانٍ هذا تأكيد بأنّ تصنيع الأسلحة وبيعها لدول المنطقة، هو أحد المجالات التي لا ينبغي لأحد أنّ يرغب في إبقاء أميركا متفوّقة في انتاج أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً في العالم.