بين التعلّم عن بعد والتعلّم المدمج: عام دراسي مهدّد!
} نزار قانصوه
يعيش لبنان اليوم رغم الأزمات السياسية والاقتصادية والصحيّة التي تعصف به حالة من الازدواجيّة التعليميّة لم تكن بالحسبان من قبل، ما بين تعلّم مدمج وتعلّم عن بعد يقلّب العام الدراسيّ الجديد أولى صفحاته.
لكن إلى أيّ حدّ يمكننا أن نزاوج بين التعلّم عن بعد والتعلّم المدمج في ظلّ مناهج ووسائل تعليميّة تقليديّة؟
يعدّ التعلّم عن بعد شكلاً من أشكال التعليم الذي فرض نفسه ولو مؤخراً على الساحة اللبنانيّة في ظلّ انتشار جائحة كورونا ووفرة وسائل التواصل التكنولوجي، بالرغم من استخدامه في العديد من الدول الغربيّة في سبعينيّات القرن الماضي كالتعلّم بالمراسلة خصوصاً في المراحل الجامعية التي يدرس من خلالها الطالب المسجل الكترونيّاً ويُمنح على أثرها شهادة رسميّة مُعترف بها.
أمّا في لبنان والعديد من دول العالم الثالث فالمشهد يختلف نوعاً ما، ما بين نار التعلّم المدمج ومخاطره الصحيّة مع ازدياد يوميّ بأعداد المصابين بكورونا وارتفاع عدد الوفيات، وما بين تعلّم عن بعد لا يمتلك فيه لبنان البنى التحتيّة التكنولوجيّة والمناهج التعليميّة المتطوّرة التي تواكب روح العصر، يبقى الطالب رهينة الواقع الذي يحدّ من اكتسابه للمواد الدراسيّة بشكل سليم وأسلوب متقن.
تلك النمط السائد الذي ارتكز عليه المعلّم والمتعلّم في أعوامهما المنصرمة ضمن صفّ محدود المكان والزمان وخلف مقاعد خشبيّة شرب منها الزّمان كأسه الأخير ومن أمام ألواح حُفر عليها بلون التحديات أجمل العبارات ليخلّدها التأريخ في زوايا الصفوف وبين أرجاء الملاعب، فسرعان ما تضعهما في صفّ افتراضيّ لا يمتلكان من أثاثه التقنيات الرقميّة المطلوبة مع ضعف إمكانيّة استخدام هذه التقنيات في ظلّ مناهج تعليميّة تقليديّة لا يُعدّ المعلّم فيها مؤهلاً من مواكبة خطته السنويّة، ناهيك عن أنّها محدودة ضمن كتب ورقيّة ليست منظّمة ضمن برامج الكترونيّة متطورة، وممّا ساعد في جمود تطوّر قابلية هذا التعليم، انقطاع التيار الكهربائي المتكرّر وبطء شبكة الانترنت وارتفاع أسعار خدماتها وصعوبة تعامل شريحة كبيرة من الأهالي مع هذه الوسائل خصوصاً إذا كان التلميذ في مراحل ابتدائية.
لهذا، لا تتآلف نوعاً ما الازدواجيّة بين نمطي التعليم المطروحة، لأنّ لكلّ شكل من أشكال التعليم أسسه ووسائله وتقنياته وبرامجه المستخمة التي تتعاكس حال تداخلها مع بعضها البعض، ليعيش الطالب في حالة من التخبّط والتشتت الذهني تودي إلى تهديد في مستقبله.
ماذا لو أقفلت المدارس من جديد وعدنا للتعلّم عن بعد؟
حاول لبنان أن ينطلق بإعلان تعبئة التعلّم عن بعد في العام الماضي بعد أن قرعت كورونا جرس التحديات ولكنّ النتيجة جاءت غير مرضية، واللجوء إلى التعليم المدمج غير آمن نسبيّاً بالرغم من الإجراءات الصحيّة الصارمة المتّبعة، لأنّ نسبة إقفال بعض المناطق يشمل المؤسسات التربويّة التي أضحت مهدّدة بين لحظة وضحاها بإعلان وزير التربية الإقفال التامّ وبهذا تنتفي المراهنة على التعلّم المدمج لنعود إلى الملجأ الوحيد وهو التعلّم عن بعد.
إلّا أنّ المشكلة تكمن في صعوبة تلقي الأفكار والوسائل الحديثة البديلة بشكل سريع، وهذا إنْ دلّ على شيء فإنّه يدلّ على ضعف مزمن بأنماط التفكير التربوية من جهة وبجرأة طرح مناهج متطوّرة تحرّر المعلّم والمتعلّم من نموذج التقليد الجامد من جهة أخرى.
كما يعتقد الطالب في اللاوعي عنده أنّ هذا النمط من التعليم غير مجدٍ فهو لا يفهم درسه إلا إذا كان في قاعة التدريس وأمام لوح وممحاة كما اعتاد، وتبدأ الحجج والملاحظات تتهافت من كلّ حدبٍ وصوب، كلّ هذا يحتّم على وزارة التربية الإسراع بإطلاق برامج تعليميّة حديثة تراعي المراحل الأكاديميّة جميعها، فلا يمكن في عصر العولمة أن تقول لطالب في الحلقة الثالثة أو في المرحلة الثانوية: «إنّك لا تفقه ثقافة التعلّم عن بعد»، وهو يتناول وسائل التكنولوجيا كخبزه اليوميّ.
ومن هنا يبدأ دور المعلّم بإشراف المناطق التربويّة بتحديث الهيكليّة أوالنمطيّة التعليميّة وذلك لإخراج المتعلّم من عمليّة التلقين وتقديم الدرس كوجبات مغلّفة جاهزة إلى عمليّة البحث والتحليل والمناقشة من خلال الاستفادة من وسائل التكنولوجيا بشتّى مجالاتها كمشاركة وحضور الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبيّة التي تعقد حول العالم عبر الشاشة ومن المنزل.
لذا، على وزراة التربية أن تضع خططاً سنويّة أو فصليّة ترسم مسار مناهج حديثة تعالج من خلاها ثغرات التعلّم عن بعد والبدء في تطوير هذا النوع لإعداد معلّم ومتعلّم جاهزين فكريّاً وعمليّاً لمواكبة تحديات الواقع وروح العصر.
إلى ذلك تخرج المؤسسات التربويّة من دائرة ضيّقة إلى تعليم حديث يساهم في تطور نمو الأجيال عبر الزمن.