المغرب يردّ بالمثل على إسبانيا ويستعيد «امتياز الوقود»
ردّ المغرب بالمثل على «فرض إسبانيا امتياز الوقود على الناقلات المغربية إلى الدولة الأوروبية».
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، أعلنت السلطات في ميناء طنجة المتوسط المغربي أنه «سيتعين على سائقي الشاحنات الإسبان الآن تقديم اتفاقيات تعاون للإعفاء من رد الرباط على قيود مدريد على الناقلات المغربية»، جاء ذلك وفقاً لموقع «moroccoworld news».
وجاء في بيان طنجة المتوسط: «يرجى ملاحظة أنه اعتباراً من 27 تشرين الأول ستخضع المقطورات المحمّلة من إسبانيا للرقابة المطلوبة من قبل وزارة التجهيز والنقل والخدمات اللوجستية على أساس اتفاقيات التعاون».
وهذا يعني أن «الدخول إلى الأراضي المغربيّة سيمنع على أيّ شركة ليس لديها عقد تعاون مع شركة مغربيّة».
على الرغم من الضغط الداخلي المستمرّ لخوض معركة مع المغرب، فقد اختارت إسبانيا حتى وقت قريب النبرة الواقعية والدبلوماسية والتحركات.
يبدو أن الضغط اليميني في الأسابيع الأخيرة على الحكومة الإسبانية من أجل سياسة أكثر حزماً تجاه المغرب قد أثمر أخيراً مع قيود مدريد على الصادرات المغربية.
بموجب «امتياز الوقود» الإسباني، يجب على سائقي الشاحنات المغاربة ألا يتجاوزوا 200 لتر من الوقود الاحتياطيّ عند السفر إلى إسبانيا.
وعند الوصول إلى الجيبين الإسبانيين سبتة ومليلية، يتعيّن على شركات الطيران المغربيّة التزوّد بالوقود بما لا يقلّ عن 1200 لتر لتتمكّن من دخول إسبانيا.
في حين تمّ وضع القيود لتعزيز عائدات بائعي الوقود الإسبان على الحدود المغربيّة الإسبانية، إلا أنها تشكل عبئاً مالياً ثقيلاً على سائقي الشاحنات المغاربة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإجراء الجديد يتطلب من سائقي الشاحنات المغاربة الذين يتجاوزون عتبة 200 لتر دفع غرامة تتراوح بين 200 و700 يورو.
نظراً لأن الوقود الإسباني أغلى بكثير من الوقود المغربيّ، فإن «امتياز الوقود» في مدريد يمثل أيضاً ضربة مباشرة وفورية للقدرة التنافسية للمنتجات المغربية في السوق الأوروبية.
رد المغرب يعني أن العديد من الشركات الإسبانية لن تتمكن من دخول البلاد، وبالتالي ستعتمد على الشاحنات المغربية لنقل بضائعها إلى المغرب.
وهذا من شأنه أن يعوّض التكلفة الإضافية التي سيتكبّدها سائقو الشاحنات المغاربة بشراء الوقود من إسبانيا.
يذكر أن مسرحية «امتياز الوقود» تعود إلى عام 1992، عندما انخرطت الرباط ومدريد في ما أطلق عليه البعض «الحرب الاقتصادية».
ومع تزايد حجم التجارة والتبادلات الاجتماعية والثقافية في السنوات التالية تخلت المملكتان عن بطاقة «امتياز الوقود». وقد تعهدوا بدلاً من ذلك بتكثيف «تعاون متعدّد الأبعاد»، كما يتضح مؤخراً من رغبتهم المشتركة في تنفيذ «شراكة استراتيجية شاملة».
لكن الأشهر الأخيرة شهدت حملات ملحوظة في إسبانيا لمقاطعة المغرب أو على الأقل مراجعة الوضع «الخاص» للتعاون الواسع النطاق بين الرباط ومدريد.
وقد جاءت الدعوات من كلا الجانبين من الطيف السياسي الإسباني، وخاصة من أطرافه المتطرفة.
لجأ بوديموس ذو الميول اليسارية إلى بطاقة «الاحتلال» التقليدية و»انتهاكات حقوق الإنسان» لمعسكر البوليساريو لإقناع مدريد بالهجوم على الرباط. في غضون ذلك، شجبت الأحزاب والصحف اليمينية المتطرفة ما تعتبره قيودًا مغربية عقابية غير مفهومة وسوء نية على سبتة ومليلية.
واعتمد المغرب في تموز الماضي إجراءات لمكافحة التهريب للحد من النزيف الاقتصادي الذي تسببه التبادلات غير الرسمية بين الجيوب وشمال المغرب في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا.
رداً على ذلك، اتهم عدد من الصحف الإسبانية والسياسيين اليمينيين الرباط بـ «إفراغ» الجيوب الإسبانية من الأصول الاقتصادية التي لا غنى عنها لإجبارها في النهاية على الانصياع لـ «الضم المغربي».
وقال مندوب عن حزب فوكس اليميني المتطرف «نطالب الحكومة بتوضيح ما إذا كانت تخطط للضغط من المغرب والسماح لسبتة ومليلية بأن تصبحا ملحقًا للبلد المجاور».
على الرغم من الضغط الداخلي المستمر، وخاصة من الأطراف الراديكالية لمشهدها السياسي، إلا أن إسبانيا حتى وقت قريب تبنت لهجة وتحركات براغماتية ودبلوماسية عند التعامل مع المغرب. وصفت الحكومات الإسبانية المتتالية المغرب مراراً بأنه «جار جيد» و»حليف لا غنى عنه».
في غضون ذلك، تأرجح المزاج السائد في الرباط بين الصدمة والحذر. بالنظر إلى أن المغرب يتمتع بنفوذ هائل على جارته الإسبانية، مصائد الأسماك المهمة واتفاقيات أمن الحدود، على سبيل المثال، فقد صدمت خطوة «امتياز الوقود» الإسبانية في البداية العديد من الدوائر السياسية المغربية.
وتساءلوا عما دفع إسبانيا فجأة إلى لعب ورقة عمرها 28 عاماً، والتي بدت وكأنها مدفونة بشكل نهائي، بناءً على موقفها الرسمي من المغرب.
أظهرت الاستجابة المتأخرة نسبياً، والمقاسة إلى حد كبير، للصدمة الأولية فهم أن رد الفعل السريع والقاسي يمكن أن يؤدي بشكل واضح إلى تفاقم الموقف المتوتر.
وبهذا المعنى، فإنّ فرض المغرب «عقود تعاون» على شركات النقل الإسبانية يأتي كإجراء مضاد محسوب لإفساح المجال للحوار بمجرد أن تدرك مدريد ما يبدو أنها فقدت رؤيتها: ما مدى أهمية جارتها المغربية «الطيبة» هو اقتصادها.
بعد كل شيء، واجهت الحكومة الإسبانية مراراً وتكراراً ضغوطاً داخلية لشن معركة مع المغرب.
في الآونة الأخيرة، عندما راجع المغرب حدوده البحرية، توترت وسائل الإعلام الإسبانية، وحثت مدريد على إعطاء الرباط درساً عضلياً وعسكرياً عن الجوار.
رداً على ذلك، اختارت الحكومة الإسبانية الحوار، مذكّرة «بعلاقاتها الممتازة» مع المغرب.
وسط بوادر على وجود مشاكل مع حليف تقليدي قوي للمغرب، فإن المفهوم السائد في الرباط هو أن إسبانيا غالبًا ما تستخدم «امتياز الوقود» للإدلاء ببيان هادئ في أوقات التوتر.
بالنظر إلى أن المغرب قد استجاب بالمثل، فإن التوقعات من كلا الجانبين هي أن «التصعيد المؤقت سيضع في نهاية المطاف الأساس للمناقشات والعودة إلى الحياة الطبيعية».
في حين لم يتم إعطاء مسار العمل هذا أو نتيجة مفروضة، لا شيء في الجغرافيا السياسية، فإن أي مسار آخر سيكون غير مسبوق.