«البيت الأبيض لي»… ماذا سيحصل لو رفض ترامب تسليم السلطة؟
رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل متكرّر التعهّد بالقبول بنتائج الانتخابات في حال فوز منافسه جو بايدن مرشح الحزب الديمقراطي. وشكّك في أكثر من مناسبة بأيّ نتيجة للانتخابات لن تعطيه ولاية ثانية في الرئاسة، وتثير تهديداته أسئلة مفتوحة عن السيناريوات المستقبلية في حال رفضَ ترامب التخلي عن السلطة.
يطرح هذا الواقع الجديد تساؤلات عن آليات النظام الانتخابي الأميركي لفضّ هذه الأزمة السياسية والقانونية، وعن دور الجيش الأميركي في هذا النزاع المحتمل.
ويحاول التقرير التالي التعرّف على وسائل ترامب في ترسيخ استراتيجية تهيّئ الجمهور الأميركي لفوزه المؤكد، وتطعن في نزاهة الانتخابات إذا هُزم فيها، وسنعرض الآثار السياسية والقانونية المحتملة في كلا الحالتين.
ترامب أو الفوضى
خلال الشهور الأخيرة عمد ترامب لتهيئة الجمهور الأميركي بأنه «فائز» لا محالة في الانتخابات المقبلة، وأنّ أيّ نتيجة تفصح عن خسارته بالانتخابات فصحتها «مشكوك» بها، بسبب «الغش والتزوير» الذي يتخلل العملية الانتخابية.
ولتحقيق هذا الهدف يتبع ترامب استراتيجية المرواغة بدلاً من الردّ بشكل حاسم بشأن تسليم السلطة سلمياً في حال خسارته، وهو نفس الأسلوب الذي استخدمه في انتخابات عام 2016، حين قال إنه سيقبل بنتائج الانتخابات «فقط إن فزت» بها.
وأما الحجة الأساسية التي يوظفها ترامب للتشكيك في الانتخابات فهي مشكلة التصويت عبر البطاقات البريدية بسبب جائحة كورونا، فهو يروّج في مؤتمراته ولقاءاته التلفزيونية بأنّ الديمقراطيين «سيستولون» على عشرات الملايين من بطاقات الاقتراع المرسلة بالبريد لتزوير نتائج التصويت.
ولتعزيز موقفه أمام الجمهور الأميركي وفي الانتخابات، أعلن عن إيقافه لتمويل هيئة البريد الأميركي التابعة للحكومة الأميركية، وهي هيئة فيدرالية مستقلة وتعاني عجزاً مالياً كبيراً. وهدّد ترامب بوقف تمويلها قائلاً: «إنهم يريدون تلك الأموال حتى تستطيع الهيئة أداء عملها، وإرسال ملايين وملايين بطاقات الاقتراع. لكن إنْ لم نتوصّل إلى اتفاق، فلن يحصلوا على تلك الأموال».
والتصويت البريدي هو آلية تمنح الناخب القدرة على التصويت عبر ملء بطاقة الاقتراع دون التوجه شخصياً إلى مركز الاقتراع، قبل أن يتمّ إرسالها للجنة المشرفة على الانتخابات عبر هيئة البريد التي يجوب العاملون فيها منازل الناخبين لتوزيع بطاقات الاقتراع أولاً وتجميعها لاحقاً.
ويمنح التصويت البريدي أفضلية للديمقراطيين في ضوء أنه سيوسع من أعداد الناخبين من الأقليات والفقراء، وهُم من المجموعات الداعمة لبايدن، ممن لا يفضلون التصويت الشخصي. ولهذا السبب يرفضه ترامب، ويتحجّج بكونه وسيلة سهلة للتزوير، بينما يدعم نحو 65% من الأميركيين التصويت البريدي، الذي يتمتع بتأمين جيد ومحدودية في الأخطاء قياساً على الأخطاء التي شهدتها الانتخابات عبر مراكز الاقتراع.
ومن جانبه، قال جاكوب ورتشفتر، صحافي أميركي عمل من القاهرة والقدس سابقاً لصحف أميركية ويعمل الآن من عمان، في تعليق خاص لـ«ساسة بوست» أنّ ترامب سيرفض الهزيمة الانتخابية بقدر «محدود»، لأن الدستور الأميركي والنظام الانتخابي لا يمنحانه سلطات لتقويض ظهور النتيجة.
وأضاف ورتشفتر أنّ أقصى ما يمكن فعله هو المطالبة بإعادة فرز الأصوات إذا كانت متقاربة جداً في بعض الولايات، وأوضح أنّ الولايات المتحدة ليس لديها إدارة أو مدير واحد من لجنة انتخابات مركزية كما هو الحال في مصر على سبيل المثال، وأنّ الانتخابات التي تتمّ في أميركا يديرها مسؤولون حكوميون محليون لا الحكومة الفيدرالية، وهو ما يجعل مسألة التشكيك بالنتائج «صعبة وغير منطقية».
يقلق ورتشفتر شيء واحد، ومثله أميركيون كثر، من أنّ الجماعات اليمينية المتطرفة المسلحة والعنيفة قد تحاول القيام بعمليات في الأيام التي تسبق الانتخابات، ويُضيف أنه بات «أقلّ قلقاً» بشأن هذا السيناريو مما كان عليه قبل بضعة أسابيع، بعدما وجه «مكتب التحقيقات الفيدرالي (أف بي آي)» والنظام القضائي الفيدرالي اتهامات ضدّ مجموعة تآمرت لاختطاف وربما قتل حاكمة ميشيغان الديمقراطية التي تختلف مع ترامب في كيفية التعامل مع وباء كورونا.
3 سيناريوات بيد ترامب إذا رفض النتائج
رفض ترامب لنتائج الانتخابات إذا فاز بايدن هو أحد السيناريوات المستقبلية المطروحة في واشنطن، ويعززه رفض ترامب المستمر للتعهّد بتسليم السلطة، وتلميحه المتكرّر لعوار النظام الانتخابي في حال خسارته.
ويترتب على هذا الرفض المحتمل آثار سياسية وقانونية على النظام السياسي الأميركي قد تضع البلاد في مسارات فوضى محتملة، الأمر الذي يستعدّ له الجميع سواء المؤسسات التشريعية والقضائية الأميركية أو الفريق القانوني لـ جو بايدن.
في الفقرات التالية نستعرض المسارات المحتملة للرفض وآثاره القانونية والسياسية، وأبرز مناورات ما بعد الانتخابات التي قد يلجأ لها ترامب للتحايل على نتائج فرز الأصوات في الولايات المتصارعة.
1 – ترامب يرفض تسليم السلطة
في حال رفض ترامب ترك منصبه تحت مزاعم «تزوير الانتخابات» أو حدوث اختراقات في نظام التصويت البريدي كما يروج في مؤتمراته الانتخابية، فسيكون هذا المسار الأسوأ في أثره القانوني والسياسي على الديمقراطية الأميركية والنظام السياسي.
وفي هذه الحالة، يقف الدستور الأميركي حاسماً بالتعديل العشرين فيه الذي ينص على «انتهاء فترة ولاية الرئيس ونائب الرئيس ظهراً في اليوم العشرين من كانون الثاني/ يناير».
ويشرح هذا النص الصحافي الأميركي ورتشفتر قائلاً «إنّ تطبيق القانون الفيدرالي وقانون الولايات بشكل عام لن يمنح الرئيس أو مؤيديه مطلق الحرية لتغيير تقليد النقل السلمي للسلطة الذي لا يزال معظم الأميركيين فخورين به».
ويُضيف أنّ عناصر وكالة الخدمة السرية في البيت الأبيض سيكون عليهم إرغام ترامب على تسليم السلطة عنوة، ويؤكد أنّ هؤلاء الأمنيين «ليسوا مثل الرجال الذين حرسوا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فهم شرطة محترفون وليسوا سياسيّين، ويحرسون الآن أيضاً بايدن وهاريس وكذلك ترامب وبنس»، وهاريس هي نائبة جو بايدن في حملته الانتخابية وبنس نائب الرئيس الأميركي ترامب.
ويتقاطع بروس ريدل مع الرأي السابق، وريدل مستشار سابق بمجلس الأمن القومي الأميركي لسنوات طويلة، قال عبر البريد الإلكتروني لـ«ساسة بوست» بأنه لا توجد سابقة لرفض الرئيس لنتائج الانتخابات، وأنّ أميركا ستدخل في منطقة مجهولة في حال أقبل ترامب على هذا المسار.
ولكن ريدل، الذي عمل محللاً سابقاً في «وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي أي آي)»، ويعمل حالياً باحثاً في معهد بروكينغز، يستدرك قائلاً: «النظام الأميركي له جذور عميقة، وسيغادر السيد ترامب البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) ولو كان على جهاز الخدمة السرية أن يرافقه جسدياً».
ويستبعد ريدل حدوث هذا السيناريو «غير المحتمل للغاية»، لأسباب لها علاقة بأنّ أبناء ترامب وأفراد أسرته منخرطون في مجتمع الأعمال أو السياسة، مؤكداً أنّ خروج والدهم من البيت بهذه الطريقة سينعكس سلباً على سمعتهم في مجتمع الأعمال.
الجيش والانتخابات
حاول ترامب خلال رئاسته إقحام الجيش في صراعاته السياسية، ليوظف خط دفاعٍ أول ضدّ خصومه في الداخل والخارج، غير مكترث بالنصوص الدستورية المُلزمة بأن الجيش مؤسسة غير مسيسة، وأن وظيفته الأساسية متمثلة في حماية الولايات المتحدة من المخاطر الخارجية والحفاظ على الدستور.
وشملت هذه الوقائع محاولة ترامب بين عامي 2017 و2018، توظيف الجيش في عروض عسكرية من أجل دعاية سياسية له، أو في مطالب أخرى تتعلق بخفض عدد القوات خارج بلاده، بعيداً عن المتغيّرات السياسية.
لكن الواقعة الأبرز التي أثارت غضباً كبيراً طلبه نشر 10 آلاف جندي من قوات الجيش في منطقة العاصمة واشنطن لوقف الاضطرابات المدنية إثر مقتل الشاب الأسود جورج فلويد.
وكان أول مظاهر هذا التسييس في العلن هو ظهور رئيس الأركان، الجنرال مارك ميلي، مرتدياً لباسه العسكري برفقة ترامب في جولة خارج البيت الأبيض وسط انتشار الاحتجاجات، في مشهد انتهك تقليداً قديماً وراسخاً يلتزم به كبار المسؤولين العسكريين في زيارتهم للبيت الأبيض، ما فسّر على أنه تدخل من الجيش في السياسة الأميركية أو تأييد لترامب في فضّ التظاهرات بالقوة كما أعلن.
لكن الجنرال تراجع واعتذر عن المشهد، وأصدر بياناً ذكَّر فيه الجنود باليمين الذي أقسموا به لحماية الدستور، الذي يحمي الحق في الاحتجاجات السلمية.
وأثارت هذه المحاولات قلقاً أكبر من موقف المؤسسة العسكرية في الانتخابات الرئاسية، واحتمالية توظيف ترامب للجيش للدعاية له أو حتى استخدامه لعرقلة وصول بايدن للحكم لو فاز في الانتخابات.
وظهرت آثار هذا القلق على توجيه إليسا سلوتكين وميكي شيريل، وهما نائبتان ديمقراطيتان من مجلس النواب، أسئلة مكتوبة إلى كلّ من وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، يتساءلان فيها عن موقف الجيش المحتمل تجاه تمسك ترامب بالسلطة، أو محاولة توظيفه في معركة البقاء داخل البيت الأبيض في حال فوز بايدن.
ولكن رئيس الأركان حسم المسألة قائلاً بأنه: «لا يتوقع دوراً للجيش في العملية الانتخابية أو تسوية نزاعات قد تنشأ خلال انتخابات الرئاسة».
ولم يعط الدستور أيّ دور للجيش في عملية انتقال السلطة، أو حتى في فكّ أيّ خلاف محتمل بين المرشحين، وتتبع وزارة الدفاع قواعد صارمة بشأن مشاركة أفراد الجيش الأميركي في السياسة، وتمنع أي مظهر من مظاهر التحيّز في الجيش، الذي يجب على أفراده اتباع توجيهات قائده المدني العام والكونغرس، بغضّ النظر عن انتماءاتهم الشخصية.
وبحسب تعريف وزارة الدفاع الأميركية «للنشاط السياسي الحزبي» فهو: «النشاط الداعم أو المرتبط بالمرشحين الذين يمثلون الأحزاب السياسية الوطنية، أو الحكومية والمنظمات المرتبطة أو المساعدة، أو تلك القضايا الخاصة بها».
ويؤكد ورتشفتر أنّ الجيش الأميركي ملزم بالعديد من القواعد التي تحدّ من انتشاره داخل الوطن الأميركي أو التدخل في الشأن السياسي، ولكن يستدرك قائلاً: «ربما يمكن لرئيس آخر يتمتع بشعبية أكبر أن يجعل كبار الجنرالات يخرقون الأعراف والقوانين ويتدخلون بطريقة ما لصالحه».
ويؤكد أنّ علاقة ترامب مع كلّ من الضباط والجنود «تضرّرت» بسبب إدارته التي عزّزت من الأفكار العنصرية، مع الأخذ بالاعتبار أنّ حضور الأميركيين من أصول لاتينية وأفريقية داخل الجيش الأميركي يزداد «أكثر فأكثر»، وهي فئات متضرّرة من خطاب ترامب العنصري.
2 – ترامب يطعن
بنتائج الانتخابات أمام القضاء
السيناريو الثاني المحتمل لرفض ترامب نتائج الانتخابات هو اللجوء للمحاكم الأميركية للطعن في نتائجها في حال وقوع أزمة في عدّ الأصوات أو فرزها، شريطة أن تكون الأصوات متقاربةً جداً في بعض الولايات.
وأثر هذه الخطوة سيتمثل في تأجيل الإعلان عن حاكم البيت الأبيض الجديد حتى الحسم قضائياً في المسألة ما يستغرق شهوراً.
الحالة الوحيد لتفويت مناورات ما بعد الانتخابات التي يستعدّ لها ترامب في الولايات المتصارعة، هو نجاح بايدن بفارق كبير في الأصوات بما يمنع ترامب من اللجوء للمحاكم والقضاء. واستعدّ ترامب لهذا السيناريو بإنفاق حملته حوالي 30 مليون دولار على فريقه القانوني، من أصل مليار و300 مليون جمعتها خلال العامين الماضيين.
ويضمّ الفريق القانوني محامين داخليين وآخرين من شركة جونز داي للمحاماة في واشنطن، وشركة تشارلز هاردر في لوس أنجلوس المتخصّصة في قضايا التشهير بوسائل الإعلام.
ويقول ريتشارد هيسين، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا أننا «يمكن أن نرى صراعاً مطولاً بعد الانتخابات في المحاكم والشوارع إذا كانت النتائج متقاربة»، موضحاً أنّ ذلك سيكون مظهراً «للانهيار الانتخابي».
وتكرّر سيناريو مماثل لهذه الواقعة في عام 2000 حين حسمت المحكمة العليا الأميركية النزاع الانتخابي بين الرئيس الأميركي السابق جورج بوش ومنافسه آل غور لصالح الأول في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) من نفس العام، أيّ بعد أكثر من شهر على تاريخ الانتخابات.
ويفصل التعديل العشرون في الدستور بأنه في حال تأخر اختيار الرئيس قبل الوقت المحدّد لبداية فترة ولايته، أو في حال فشل الرئيس المنتخب في أخذ سلطاته، كما قد يحصل لو لجأ ترامب للقضاء، فيتمّ تصعيد نائب الرئيس المنتخب ليعمل بصلاحيات الرئيس حتى تحسم المسألة القانونية.
ويحق للكونغرس اختيار الشخص الذي سيتولى المنصب حال عدم أهلية نائب الرئيس والرئيس من الناحية القانونية، كما تمنحه جهة التشريع الأميركية السلطات والصلاحيات لممارسة دوره بوصفه رئيساً حتى يصبح الرئيس أو نائب الرئيس مؤهّلاً.
3 – فترة «البطة العرجاء»
ترامب يعبث ببلاده قبل خروجه
السيناريو الأخير لترامب هو استغلاله لفترة تصريف الأعمال، وهي فترة بين ظهور نتيجة الانتخابات في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وموعد تسليم السلطة في يناير (كانون الثاني)، إذ يمكنه إصدار سلسلة قرارات تصعّب مهمة الإدارة الجديدة بقيادة المرشح الديمقراطي.
تسمّى الفترة الانتقالية بـ «البطة العرجاء»، وفي هذه الانتخابات يخشى منها الديمقراطيون نظراً لاندفاع ترامب لإصدار قرارات مهمة يدعمها مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون، يمكن أن تعجز إدارة بايدن عن تغييرها لاحقاً.
لكن ما قد يلعب دوراً حاسماً في هذا الاحتمال هي القوات المسلحة التي أعلنت أنهم لن يلتزموا بأيّ أوامر غير دستورية بعد العشرين من يناير (كانون الثاني) لأنّ الرئيس آنذاك تكون انتهت صلاحيته ولم تعد الحكومة الأميركية تحت إمرته.
ويطرح ورتشفتر الصحافي الأميركي سيناريو آخر محتملاً وهو «الأكثر قلقاً» بالنسبة له، وهو إقدام ترامب على الاستقالة من منصبه حال خسارته، واختيار مايك بنس رئيساً بدلاً له حتى نهاية فترة تصريف الأعمال، ووفقاً لورتشفتر، سيحاول بنس إذا تولى الرئاسة أن يصدر عفواً رئاسياً بالعفو عن جرائم ترامب التي ارتكبها خلال ولايته، وأن يشرع قوانين من شأنها منع الديمقراطيين من محاكمته.