تداعيات الإعلام المتخم بالإنتخابات الأميركية!
} جهاد أيوب
التخمة الإعلامية التي وقع فيها العالم من خلال نقل أخبار الانتخابات الأميركية لهذه المرحلة لا توصف، وتحديداً في الإعلام العربي المنقسم على ذاته، والذي بمجمله كشف عن كون وجوده وظيفياً ومرتزقاً دون أهداف أخلاقية ووطنية!
والتنظيرات من محللين عارفين بأسرار الكون كانت منتشرة كالجراد على الشاشات، وربما فقط إيران لم تكترث في إعلانها وإعلامها لهذه الفوضى الانحلالية الإعلامية حول حضور هذا، أو ذهاب ذاك لأنّ أميركا في سياستها الخارجية واحدة، وتبحث عن مصلحتها وأمن «إسرائيل» فقط، والباقي لسرقة أموالهم وبرضاهم خاصة العرب، وبأنّ الصراع الانتخابي كان داخلياً، بينما مصالح أميركا الخارجية ثابتة، وهذا ما لم يعرفه غالبية إعلام العرب!
في نظرة سريعة جراء المتابعة نجد الإعلام العربي التقليدي فشل في التسويق والعرض رغم المتابعة التقريرية، وكان واضحاً انقسام الإعلام الخليجي، وكلّ ما تموّله وتحدّد سياسته السعودية والإمارات، وكانت مع ترامب بتعصّب، وبغباء في فهم ما يحدث انتخابياً، كانت تعمل من خلال التمني، وهذا ما تقع به في كلّ سياساتها الإعلامية!
لو أخذنا «الجزيرة» كانت مع بايدن وبتعصّب وبتمنّ خاص، بينما «العربية» كانت نسخة من بعض الإعلام العبري، كانت مع ترامب وبتمنّ متطرف!
والغريب أنّ غالبية الإعلام العربي وبالتحديد «الجزيرة» و»العربية» وبعض اللبناني ومن معهم يتحدثون كما لو كانوا أميركيّين، بينما الإعلام الغربي وحتى الضيوف منهم عبر فضاء العرب رغم اهتمامهم كانوا يبحثون عن مصلحة بلادهم، ولا يتبعون المزاجية التي قد تضرّ ببلادهم!
«الفيس بوك» و «تويتر» وغالبية الإعلام الغربي ضدّ ترامب، إعلام الكيان الصهيوني مع ترامب وبخجل، ولكن أصواتهم ذهبت إلى بايدن، والسبب يكمن في أنّ «إسرائيل» تبحث عن الجديد الذي سيقدّم لها، ترامب قدم ما عجز عنه غيره، ولم يعد لديه ما يقدّمه غير مصالح أميركا أولاً في دورته الثانية، أما بايدن فباعتقاد إعلام الصهاينة وجماعاتها المنتخبة ففي دورته الأولى سيسعى جاهداً لتقديم ما يخدم «إسرائيل»، لذلك كان إعلام اليهود بخجل مع ترامب، وأموالهم لمساعدته في حملته الإعلامية، وأصواتهم مع بايدن!
الإعلام العربي خارج الهوية وشبه منقسم، وفي لبنان الشاشات متناحرة، تتحدث كما لو كانت الانتخابات في منطقة البسطة والأشرفية، وسعت إلى إظهار تطرفها وتمنياتها بكلّ وقاحة، وقد تجلت MTV كالعادة بتطرفها دون إدراكها لأبعاد الحدث، وتناقضات ما سيحدث، كانت بوقاً لمصلحة ترامب، وكذلك غالبية ما تبقى من فضائيات تبث من لبنان وهي لا تمت لهذا الوطن إلا من خلال اللهجة!
انقسام الإعلام اللبناني في هذه القضية يترافق مع انقسامات زعاماته السياسية من خلال انقسام المقسم بشكل مضحك وطنياً!
إنّ انتخابات الرئيس 64 لأميركا كشفت من خلال الإعلام المحب والشامت الكثير من حقائق بلاد العم سام، أهمّها أنّ أميركا مربكة في الداخل، وفي أزمة خطيرة قد توصل إلى تفكيكها، وبأنّ الرأي العام لم يعد يثق بنظامها، وديمقراطيتها مخادعة هشة قد تطال ديمقراطيات الغرب!
كما أنّ الإعلام المقسّم والمتناحر هنا وهناك أظهر بوضوح أنّ المصالح المالية والمنفعة التجارية أجلت خروج حروب المجتمع الأميركي المفكك عقائدياً وفكرياً وعنصرياً حول اللون والتشتت الثقافي، وهذه الثقافات المتناحرة لم تستطع هوليود المسيرة في لعبة السياسة من توحيدها في امبراطورية بنت وجودها من خلال اغتصاب أرض الآخرين، وقتل المواطن الاصلي!
أما عربياً فتجلت الأمور حول السعودية وما ستعانيه بعد ترامب، وهذا وهم لأن علاقة أميركا مع السعودية بُنيت على مصالح واضحة منذ أربعينات القرن الماضي، وأنه يوجد لوبي مالي سعودي هم الأهمّ في أميركا، يعني لن تتغيّر العلاقة مع السعودية مع ايّ رئيس قادم، حيث سيكون همّه المزيد من حلب المال، ولن يغيب عن بال أيّ مواطن أميركي أن السعودية دفعت لـ ترامب 460 مليون دولار حتى يزورها 36 ساعة فقط!
باختصار ظهرت أميركا إعلامياً، ومن خلال متابعة انتخاباتها الرئاسية أنها امبراطورية القلق والخوف منها وليس عليها، وتمني خرابها، والغالبية نظروا وتلاسنوا دون الوقوف عند حالة اساسية في أن أميركا على صعيد الخارج هي واحدة تقتل، تدمر، وتزرع الفتن من أجل مصالحها!