أفريقيا والاستحقاق الأميركي…
د. علي سيد*
انطلق منذ عدة أيام السباق الانتخابي فى الولايات المتحدة الأميركية والذي انتهى بفوز جو بايدن المرشح الديمقراطي، تلك القوة العظمى التي تتحكم فى معظم الملفات العالمية، لم تكن هذه المرة انتخاباتها عادية والتي تشهدها أميركا كلّ 4 سنوات، فقد احتدم الصراع على كرسي الرئاسة بشدة بين الرئيس الحالي، مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب والمرشح الآخر عن الحزب الديمقراطى جو بايدن، ولكن الأكثر غرابة هذه المرة هي المتابعة والتأييد لهذه الانتخابات من الدول المختلفة بالقارة السمراء، وكأنّ فوز مرشح على الآخر سيغيّر وجه القارة أو يحسم مصير شعوبها. وإذا قمنا سريعاً بإلقاء نظرة تحليلية على الدول الأفريقية، فسنجد أنّ مصر التي تصدّرت المشهد، تأييداً للرئيس ترامب، حتى سخر بعض رواد السوشيال ميديا، مغرّدين أنّ المصريين لم يتابعوا الانتخابات المصرية بقدر الأميركية، قد شهدت تداولاً ساذجاً لفكرة أنّ ترامب ربما يكون أفضل حال فوزه في التعامل مع الملفات المهمة والشائكة بالدول العربية وأفريقيا، وخوفاً من المرشح الآخر بايدن على خلفية وجوده كنائب للرئيس باراك أوباما خلال فترة حكمه للولايات المتحدة ودعم أفكاره المتطرفة بعض الشيء تجاه الدول العربية وتدخلاته غير المتوازنة فى شؤونها.
أما إذا نظرنا لدول أفريقية أخرى كصنيعة أميركا و»إسرائيل» (جنوب السودان)، فاللافت التأييد الكبير لبايدن هناك، وتوقع فوزه وربط ذلك بنهضة البلاد ومساعدة أميركا لملفات الجنوب الشائكة. أما في الخرطوم فالصورة على النقيض، فالأغلب يؤيد ترامب، حيث إنهم يظنّون بأنه ساعد السودان فى رفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ونسوا أو تناسوا أن هي نفس الجهة التي حاصرتهم وجوّعتهم، وفصلت الجنوب عن الشمال وأنشأت عدة دويلات في السودان ووضعتهم على لائحة الإرهاب.
وإذا اتجهنا إلى دول الفرانكوفونية كالكاميرون والغابون والسنغال وساحل العاج فهي إلى حدّ ما على الحياد، تتابع المشهد عن كثب دون ميل إلى مرشح على حساب الآخر، بينما فى نيجيريا يؤيد أغلب النخب ترامب ويتمنّون فوزه، وكذلك الحال في دول شمال أفريقيا.
ولكن، مع ظهور النتائج وفوز بايدن، فلا بدّ أن ندرك أنّ ترامب وبايدن وجهان لعملة واحدة، فالسياسة الأميركية لا تتغيّر إلى حدّ كبير بتغيّر الرئيس، فهي ملفات مستمرة وسياسة يصعب تغييرها بيد الرئيس الجديد.
وأخيراً، لا يجب على دول القارة الأفريقية كما الدول العربية وضع آمالها على أيّ رئيس جمهوري أو ديمقراطي، ولتعلم بأنّ ثمن الرهانات على بعض الدول الكبرى لن تحصد سوى خيبات الأمل، فالقارة ستتغيّر بأبنائها دون تدخلات خارجية، وهي أيّ الدول الأفريقية غنية بمواردها الطبيعية والبشرية ويمكنها أن تصنع مستقبلها بدون منة من أحد، وتتعامل مع كافة الدول بسياسة الند للند، فكما هي بحاجة لهم كذلك حالهم، فأفريقيا خزان العالم وتشكل معظم الموارد الطبيعية والأساسية لكثير من الصناعات في الدول الصناعية المتقدمة وكذلك تعتبر سلة الغذاء للعالم وخاصة السودان، فقوّتها لو فعلت لغيّرت الكثير من التوازنات في العالم.
*باحث في الشؤون الأفريقية