ماذا لو كان ردّ السفارة مختلفاً؟
عندما تقول السفيرة الأميركية إن النائب جبران باسيل كان مستعداً لقبول فك العلاقة مع حزب الله بشروط معينة كان عليها أن تقول ما هي هذه الشروط لأن باسيل تحدّث سجالياً عن تضمّن حواره مع المسؤولين الأميركيين، ومنهم السفيرة، أسئلة عن تبعات فك التحالف تحت شعار ماذا لو فعلنا ذلك؟ فمن يضمن عدم وقوع الفتنة ومن يضمن تجنيب لبنان المخاطر؟ فهل هذا ما قصدته السفيرة؟ وهل هو استعداد لفك التحالف، أم أن هناك شيئاً آخر؟
لو قالت السفيرة إن باسيل كان مستعداً لفك التحالف بشروط معينة وإن هذه الشروط لم تكن مقبولة من إدارتها. وأوضحت أنه طلب لقاء فك التحالف أثماناً كالتعهد بدعمه لرئاسة الجمهورية، وأن إدارتها رفضت ذلك احتراماً منها للمعادلة الديمقراطية والدستورية في لبنان لأحرجت باسيل، ولو كان بيدها ما يسمح بقول ذلك لفعلت ما جعل كلامها الفارغ من أي مضمون تعزيزاً لموقف باسيل وإضعافاً لصدقية ردّ السفيرة وإدارتها.
في ملفات الفساد كان كلام السفيرة مثيراً للسخرية، فالحديث عن أن الناس تعلم مضحك، لأن الناس تعتقد أن أميركا هي التي تعلم وكانت تنتظر، وخصوصاً مَن يشارك الرأي بتوجيه تهم الفساد للذين عاقبتهم واشنطن ان يسمعوا مع العقوبات اتهامات محددة ومعلومات لا يعرفونها وهل من قيمة لدعم تدعيه واشنطن لمسار مكافحة الفساد يمكن أن يكون أكثر من تحويل الكلام عن الفساد من مجرد اتهامات كلامية إلى معلومات وأرقام ووقائع؟ وكيف تستطيع الناس الذين تتحدث عنهم السفيرة وإدارتها أن يصدقوا كلام السفيرة وإدارتها بعد التحدّي الذي رفعه باسيل لجهة تقديم ملف واحد من ملفات الفساد المزعومة؟
الحديث عن أن ملفات الفساد لا تعلن شديد الإثارة للسخرية، لأن أهم قيمة في فتح ملفات الفساد هو علنيّتها. وطالما ترتّب فرض عقوبات تحت هذا العنوان فإن المنطق القانوني واضح وهو أن العلنيّة باتت واجباً على صاحب العقوبات بعدما تم اللجوء الى العقوبات ومقتضى الإخفاء بانتظار المسار القانوني الذي ينتهي بالعقوبات قد انتهى والإخفاء هنا هو خواء.
كلام السفيرة الذي تجنّب الخوض في غياب أي إشارة لملفات الفساد خلال المفاوضات مع باسيل تحت شعار أنها غير مجبرة على كشف عنوان العقوبات يُضحك أكثر، لأنه يفضح لعبة مقايضة خسيسة عنوانها التفاوض على ملفات سياسية والعصا القانونيّة الغامضة حاضرة غب الطلب. ولو كان التفاوض على ملفات الفساد لجهة مطالبة بإعادة أموال تمّ تحصيلها بطرق غير قانونية أو تصحيح مسار تشوبه الشبهات القانونيّة وجاءت العقوبات لرفض التصحيح لكان الموقف الأميركي قوياً. أما القول بأن استنساب العقوبات وموضوعها شأن يخص الإدارة وحدها فهو فضيحة مدوّية لوظيفة القانون في السياسة الأميركية كمجرد أداة يتم التلاعب بها وفقاً للأهواء والمصالح والسياسات.
الذين شاركوا باتهام باسيل بالتردد في العلاقة مع حزب الله طلباً للرضى الأميركي والذين شاركوا باتهامه بالفساد تحققوا من خطأ وقعوا فيه بعد العقوبات التي أكد كلام السفيرة الأميركية أنها محاولة تطويع أصيبت بالفشل، ولسان حال هؤلاء هو أنه إذا لم يكن لدى أميركا في ذروة الصراع مع باسيل ما تقدّمه من وقائع على استعداده للبيع والشراء في علاقته مع حزب الله، وإذا لم يكن لديها في ذروة هذا الصراع أن تقدّم ملفات موثقة على تورطه بفساد أنزلت العقوبات عليه على أساسها، فهذا يعني أن التهم التي تشارك بها هؤلاء ضد باسيل كانت ظالمة.