بايدن وخريطة الطريق… ومغامرة ترامب المحتملة؟
ناصر قنديل
–حتى كانون الثاني موعد دخول الرئيس المنتخب جو بايدن الى البيت الأبيض، مسار قضائيّ معقد ومفتوح على فرضيّات عدّة، يصطف خلالها الجمهوريون وراء الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحين بلوغ المسار القضائيّ نهاية واضحة لصالح بايدن، يرجّح عندها تصاعد مناخات جمهورية ومؤسسيّة تمهّد لبايدن الطريق نحو البيت الأبيض، هذا إذا لم يقدم ترامب على مغامرة عسكريّة تهدف لقلب الطاولة وفرض مسارات أمر واقع تعيد هيكلة مسار المرحلة الانتقالية قبل نهاية ولايته، كما تقول إقالته لوزير الدفاع في ظل تحذيرات جدية من مغامرات عسكرية، أو مخاطر فك وتركيب الإدارة الأمنية والعسكرية والقضائيّة بصورة تضعف مناخ الانتقال الرئاسيّ بصورة سلسة تلعب المؤسسات دوراً حاسماً فيه.
–عندما نقول ما لم يحدث ما هو مفاجئ ويكون المعني هو ترامب، يصير الأرجح هو حدوث هذا المفاجئ، وبالتالي إذا قيّض لبايدن دخول البيت الأبيض في كانون الثاني المقبل، فستكون الأمور أقرب الى معجزة، خصوصاً أن الانتخابات أظهرت وجود كتلة بيضاء عنصرية متوحّشة منظمة ومسلّحة تصطف وراء مشروع ترامب التصادميّ وصولاً لاستسهالها للحرب الأهلية، وللتضحية بوحدة الدولة الفدرالية، وبالمقابل وجود جماعات منظمة ومسلّحة على ضفة مقابلة تستسهل المغامرة أيضاً بنزاع مسلح مفتوح، وبعضها يبني حسابات على تعميم الفوضى خصوصاً في المناطق الحدودية، وفي عدد من الولايات التي تعيش تحت وطأة الاحتقانات العنصرية، وفوق كل ذلك هناك انقسام عمودي في طبقة رجال الأعمال بين معسكر النفط والسلاح المعادي لمشاريع يتبناها بايدن علناً، والمؤيد لترامب علناً. والكلام المعلن من بعض رموز هذه الطبقة عن استقلال ولايات تشكل هذه القطاعات مصادر الدخل الحيوي فيها، مقابل رهانات قطاعات التكنولوجيا والإسكان والطاقة البديلة والأدوية على مشاريع بايدن وتذمّرها المعلن من توحش المشروع الاقتصادي لترامب، رغم الطفرة التي أحدثتها إجراءات الحماية الجمركية التي اعتمدها ترامب، وبدأت تذبل بارتداد العزلة على المصالح الأميركية كحال كساد صناعة السيارات رغم فورة مؤقتة أعقبت سياسة الحماية لصناعة الصلب والحديد التي لم ينج حلفاء واشنطن من تبعاتها.
–في مقال تنشره البناء اليوم للرئيس المنتخَب جو بايدن، سبق نشره في مجلة الفورين أفيرز في عدد آذار نيسان، يقدّم فيه مقاربته لمسؤولياته كرئيس في حال انتخابه، يمكن استخلاص ما سيفعله بايدن، الذي يشكل خميرة الحياة السياسية المؤسسيّة الأميركية بتراكم خبرته وحضوره خلال نصف قرن من موقعه في الكونغرس ودوره كرئيس شبه دائم للجنة الشؤون الخارجية قبل أن يصبح نائباً للرئيس في عهد باراك اوباما، وبايدن الشبيه بجورج بوش الأب إبن المؤسسة الأميركيّة بخلاف ترامب الطارئ عليها، يدرك كما تقول مقالته التفصيليّة إن مهمة ولايته الأولى على الأقل هي إعادة ترميم داخلي وخارجي طويلة النفس، جوهرها في الداخل وتحتاج التقاط الأنفاس في الخارج، حيث العودة للاتفاقات والتفاهمات هي الأساس، وليس لغة العداوات التي تحضر في استعراض بايدن لمنطلقات السياسات وليس لخريطة الطريق؛ فمع روسيا عودة لاتفاقيات الحد من التسلح، رغم تصويرها مصدراً رئيسياً للخطر، ومع الصين عودة للتنافس الاقتصادي تحت سقف اتفاقية المناخ واتفاقيات التجارة الحرة، رغم اللغة التحذيرية من خطر صعود الصين وخطتها للتوسع عالمياً، ومع إيران عودة للاتفاق النووي، رغم اللغة العدائية حول سياسات إيران الإقليمية. وكل هذا مدخل لاستعادة تماسك الحلف مع أوروبا وإعادة الحياة لحلف الناتو، للتفرغ لإعادة تكوين الاقتصاد الأميركي وإعادة بناء ما يسميه بايدن بالنموذج الأميركي.
–يضع بايدن ثلاث ركائز للسياسة الخارجية توحي جميعها بالحاجة لاستهلاك ولايته الأولى في البناء الداخلي، والركائز هي، قوة النموذج، أي اعادة بناء صورة مشرقة لأميركا بعد الصورة المتوحشة التي رسمها ترامب، والركيزة الثانية هي رد الاعتبار للتحالفات، سواء ببعدها الاقتصادي مع أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية وسواها، أو ببعدها السياسي تحت عنوان الكتلة الديمقراطية الحرة، أو ببعدها العسكري عبر تنشيط حلف الناتو، والركيزة الثالثة يسميها الجلوس على رأس الطاولة، وجوهرها إعادة العمل بالاتفاقيات التي انسحب منها ترامب، من اتفاقية الحد من التسلح الاستراتيجي مع روسيا، واتفاقية الحد من التلوث المعروفة باتفاقية باريس للمناخ، واتفاقيات التجارة الحرة مع الصين، والتفاهم النووي مع إيران، وعلى هذه الركائز يبني ترامب ما يعتبره رد الاعتبار للدبلوماسية تحت شعار «كن قوياً ولكن كن ذكياً»، حيث اللجوء للقوة العسكرية يجب ان يكون آخر الخيارات، وفي حدود ضيقة جداً ترتبط بتهديد مباشر للأمن الأميركي.
–الالتزام بأمن «إسرائيل» وتفوقها جزء من خطة بايدن، لكن من مقال بـ 4000 كلمة وردت 4 كلمات فقط عن قضايا الصراع في المنطقة هي هذه الجملة المقتضبة حول الالتزام.