لأن ليس العاجز من يحمل عصا بل من يعجز عن التحدّي الفنانة السورية دعاء البسطاطي تشكيليّة تلوِّن الدهشة بقدمَيْها..
استيقظت على الدنيا لتجد نفسها بلا يدين، وكان مقدراً لليأس أن يعجز عن مواجهة رغبتها الجارفة في التعويض عنهما. منذ طفولتها، تعايشت مع الصعوبات التقليديّة الناجمة عن افتقادها طرفيها العلويين، إلا أنها لم تكتفِ بذلك، فقد وجدت في قدميها بديلاً ناجعاً، فبعد أن تمكنت من القيام بأعمال المنزل وتحضير الطعام، بدأت تبدي اهتماماً بالرسم مذ كانت طالبة في المرحلة الابتدائيّة، كل ذلك جرى بمساندةٍ من شقيقتها التي هيّأت لها المناخات المناسبة.
محترفة.. لكن بقدمَيْها
بدأت الفنانة السورية دعاء البسطاطي تحترف فن الرسم، لكن باستخدام قدميها، وقد أتيحت لها فرصة المشاركة في مشاريع ومعارض فنية عديدة داخل سورية وخارجها.
بعد ذلك، وخلال دراستها الجامعية وبعدها في كلية الفنون الجميلة بدمشق، استطاعت أن تصقل تجربتها وتضيف إليها أنماطاً جديدة من الرسم والتشكيل، وأن تبدأ بإقامة المعارض الفرديّة والمشاركة في معارض جماعيّة وأن تثبت للجميع أن مَن يملك الإرادة لا يعرف المستحيل.
البداية في «أدهم إسماعيل»
الشابة السورية دعاء البسطاطي، تحدثت لـ «سبوتنيك» عن هذه المسيرة وكيف أنها تغلبت على كل المصاعب لتحقق حلمها في النهاية فقالت: «ولدتُ من دون يدين وكان ذلك أمراً عادياً بالنسبة لي، ثم التحقت بمدرسة الأمل للمعاقين جسدياً، وخلال ذلك كنتُ أستخدم قدمي في كل شيء؛ فقد تعلمت الكتابة وفي الثانية عشرة من عمري بدأت أتعلّم الرسم من خلال حصص الرسم في المدرسة، وكانت شقيقتي تشجّعني في المنزل وتؤمن لي صور أطفال كي أقوم برسمها، أحببت هذه الموهبة لأنني استطعت من خلالها أن أعبر عن شيء في داخلي لم أكن أعبّر عنه بالكلام. ثم دخلت مركز أدهم إسماعيل في عمر 13 سنة كي أطوّر موهبتي وخلال دراستي في هذا المركز شاركت في مشاريع فنية عدة داخل سوريا وخارجها، وتم تكريمي من قبل السيدة أسماء الأسد حين نجحت في شهادة التعليم الثانوي وبدأت أطمح للدخول إلى كلية الفنون الجميلة وفعلتها وبدأت أقدّم مشاريعي الفنية بنجاح».
وتابعت: «تخرّجتُ من الكلية بمشروع يعبر عن حياتي يتحدّث عن أهمية اليدين في حياة الإنسان وتوقفتُ عن الرسم لفترة محدودة ثم عدت للمشاركة في المشاريع والمعارض وبطريقة رسم جديدة تعلمتها في الكلية وهي الرسم العكسيّ على الزجاج، وأقمت أول معرض لي منذ حوالي أربع سنوات، كان معرضاً مشتركاً في المركز الثقافي العربي بأبي رمانة في دمشق، وبعدها انطلقت بمعارض جماعية عدة وأربعة معارض فردية منها معرض في دار الأوبرا وآخر في حلب، وتمّ تكريمي من قبل وزارة الثقافة من خلال مهرجان بلودان الثقافي. كما شاركت في مهرجان ريف دمشق وفي معارض الربيع والخريف السنويّة وفي معارض مشتركة عدة، أما خارجياً فقد شاركتُ بمشاريع من خلال مركز أدهم إسماعيل حيث سافرتُ إلى أوكرانيا عام 2005 وإلى بريطانيا والأردن عام 2008 وخلال هذه المشاركات مع طلاب من أوكرانيا وبريطانيا والأردن وعبر ورش عمل كنا نقوم بالرسم في مدرسة من المدارس، وفي آخر يوم من كل ورشة كنا نقيم معرضاً مشتركاً».
أبيع لوحاتي لأنجز أخرى
وعن مدى صعوبة استخدام قدميها في أعمال المنزل قالت البسطاطي: «منذ بداياتي كنت أستخدم قدمي في الأكل والشرب ومع مرور الوقت أصبحت أساعد أختي في أعمال المنزل وفي إعداد الطعام وتقشير وتقطيع الخضار ولاحقاً في الرسم وكأنني أستخدم يدي تماماً، ولم أكن أشعر أن ثمة صعوبة بل على العكس كان الرسم أسهل شيء عندي، وكانت أختي تقف إلى جانبي طوال الوقت منذ صغري وحتى اليوم، وهي التي شجعتني على الرسم وكانت ترافقني إلى المدرسة والمركز والكلية طيلة السنوات الطويلة الماضية وهي التي شجعتني وتقدم لي المشورة في أمور كثيرة».
وعن حصيلة أعمالها قالت: «اللوحات التي أنجزتها خلال أربع سنوات بالرسم العكسي على الزجاج كانت بحدود 30 لوحة تتحدّث عن الطبيعة والحارات الدمشقية وحالياً لدي 40 لوحة تتحدث عن حياة الفتاة وماذا تفعل حين تكبر، ومنذ أول معرض فردي لي قمت ببيع لوحات إذ لا يمكنني إنجاز لوحات جديدة إلا إذا استطعت تأمين مواد ومستلزمات الرسم، وفي كل معرض كنت أقوم ببيع لوحات حتى أتمكن من إنجاز أشياء جديدة، وخلال كل معرض كان هناك أناس يرون أعمالي ويطلبون مني لوحات خاصة، كما كان هناك من يدعوني لإقامة معارض مشتركة، وأنا اليوم أطمح للوصول إلى العالمية وأتمنى أن أقيم معارض فردية خارج سورية».
.. ورسالة لمن فقدوا أطرافهم
وعما يمكن أن تقوله لمن فقدوا أجزاء من أجسادهم لا سيما خلال الحرب في سورية الممتدة منذ عشر سنوات قالت البسطاطي: «كل ما أقوم به هو رسالة، ليس فقط لكل شخص عنده نقص في شكله الخارجي أو ما يسمّونه «المعاق» بل هي رسالة لكل المجتمع، صحيح أنه ليست لديّ يدان لكن لديّ قدمان واستطعت بهما أن أفعل كل شيء».
وأردفت: «الشخص عندما يفقد شيئاً في جسمه سيعوضه الله عنه بشيء آخر، الحياة لم تتوقف بالعكس هي جميلة ويجب أن نعيشها، ومنذ صغري كان لدي مقولة «ليس العاجز ذلك الذي يحمل العصا بل هو من لا يستطيع تحدي الحياة».