ندوة «سورية مركز التحوّلات العالمية والاقليمية»…
لورا محمود
تعدّ سورية دولة محورية في منطقة الشرق الأوسط، لها أهمية استراتيجية كبيرة جداً نظرا لكونها أحد أهمّ مفاتيح الاستقرار في المنطقة، فهي ملتقى القارات الثلاث ومركز التجارة العابرة بين العديد من بلدان الشرق الأوسط وغير ذلك من الميزات التاريخية والحضارية، لذلك تريد الولايات المتحدة وبعض الدول السيطرة عليها لمدّ خطوط الطاقة من الخليج الى أوروبا عبر سورية لكسر حاجة أوروبا لروسيا وجعل الأراضي السورية ومرافئها ممراً لاستيراد وتصدير البضائع إضافة لأهميتها الجيوسياسية وغناها بالثروات الطبيعية، حيث يُعتبر البترول والغاز الطبيعي أهمّ ثرواتها، لذلك كانت الحرب على سورية شرسة منذ العام 2011 فعملت أميركا دول حلف الأطلسي على دعم الإرهاب سياسياً ولوجستياً ومالياً وإعلامياً وكان لبعض الدول العربية و»إسرائيل» الدور الأكبر في هذا الدعم لكن صمود سورية مع حلفائها جعل منها طرفاً له تأثيره الهامّ في كلّ المعطيات الدولية وكلّ ملفات المنطقة وانطلاقاً من هذه الأهمية عقدت ندوة تحت عنوان (سورية مركز التحوّلات العالمية والإقليمية) حاضر فيها كلّ من الدكتور سمير أبو صالح والدكتورة أيسر ميداني في المركز الثقافي العربي.
ميداني
وعبر السكايب تحدثت رئيسة جمعية أحفاد عشتار الدكتورة أيسر ميداني، واستعرضت الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة والعالم في الفترة الماضية، وقالت «إنّ انتصارات سورية مهّدت لعالم جديد متعدّد الأقطاب، فهي أفشلت مخطط الولايات المتحدة للمنطقة ومشروع «الشرق الأوسط الجديد»، وأظهرت روسيا دورها كقوّة عظمى وأيضاً ظهور الصين كقوة اقتصادية وسياسية لا يُستهان بها».
وتابعت ميداني قائلة: «هناك مشروع طريق الحرير الذي تؤسّس له الصين من خلال علاقات مع العديد من الدول وإنشاء صندوق شنغهاي للتعاون الاقتصادي، وهذا بالتأكيد لا يعجب الإسرائيلي والأميركي».
ورأت ميداني «أنّ الدول التي تطبّع مع إسرائيل لا تأخذ بعين الاعتبار شعوبها فهي بمكان والشعوب بمكان اخرفهي تعمل بما يتوافق مع مصالح الولايات المتحدة التي تمرّ بوضع داخلي قابل للتفكك، فالعالم اليوم يمرّ بمخاض صعب والأطماع كلها تتجه الى الشرق الاوسط لسرقة ثرواته النفطية وإفقاره كما فعلوا بدول أفريقيا، فالولايات المتحدة تخلق مشاكل في كلّ العالم فهي لا تقبل بعالم لا تكون هي مسيطرة عليه وعلى ثرواته.
وختمت ميداني بالقول: «إنّ انتصار سورية مع الحلفاء إيران والمقاومة اللبنانية وروسيا شجعت العالم ان يرفع رأسه ويقول لا للضغوط الأميركية، وأصبح العالم متعدد الأقطاب لا يحكمه قطب واحد».
أبو صالح
أما الباحث في شؤون الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» الدكتور سمير أبو صالح فقال: «إنّ سورية حجمها صغير بالنسبة للجغرافيا وعدد السكان، إلا أنها تشكل «بيضة القبان» بما يتعلق بالصراعات الدولية والإقليمية، وأريد أن أقف عند مشروع «اكران» فهو مشروع استعماري بدأ التحضير له منذ خمسينيات القرن الماضي ودخل حيّز التنفيذ قبل الأزمة السورية بثلاث سنوات، فهو باختصار يقضي بإعادة كتابة تاريخ الحوض الشرقي للمتوسط وفقاً لمعلومات توراتية بحتة لاعلاقة لها لا بالتاريخ ولا الحضارة او حتى بالأجداد الفينيقيين او الكنعانيين، فهو يفرض استنتاجات متصوّرة انّ الحوض الشرقي للمتوسط يهودي بامتياز، فهذا المشروع يقضي بتغيير التاريخ الذي تربّت عليه شعوب المنطقة والعالم، وبالتالي التنكّر لتاريخ المنطقة، فالمطلوب هو ان تؤمن فقط انّ الديانة اليهودية التي سبقت الديانات الأخرى هي صاحبة الحق في المنطقة».
واضاف أبو صالح انّ روسيا استشعرت بالخطر الكبير وبدأت محاولاتها لإعادة هيبتها، فروسيا خلقت واقعاً دولياً وإقليميا جديداً، وأيضاً التنين الصيني بدأ يظهر كقوة عالمية في الاقتصاد وفي السياسة، كما تمكّنت إيران من استنهاض قوتها ونحن نعرف مدى التقدّم الذي أحرزته خلال فترة قصيرة في بناء نفسها.
وتابع أبو صالح: مع كل هذا المشهد نرى انّ لسورية دوراً كبيراً بسبب موقعها الجيوسياسي وموقفها الرافض للمخططات الأميركية والإسرائيلية والتمسك بالبعد القومي والوطني اتجاه قضايا الأمة بعد ان فهمت التحوّلات الاقتصادية والسياسية في المنطقة، وبعد ان رفعت شعار البحار الخمسة الذي أربك الدول الاستعمارية، فهي عرفت أنها ستكون دولة فاعلة في المنطقة وانخرطت عميقاً في فهم التحوّلات الدولية، فهي محور ارتكاز للكثير من المشاريع الاقتصادية التي بدأت برسم خرائط مصالح لعالم جديد بالرغم من مرورها بكلّ هذا الدمار.
الحسن
ورداً على سؤال البناء» عن تحرير إدلب ووصول وفد أميركي مؤخراً الى سورية قال الخبير العسكري والاستراتيجي العميد تركي الحسن الذي كان من بين الحضور انّ وضع إدلب مرتبط بالحلّ السياسي فعلينا ان لا نعلق آمالاً كبيرة على انّ تحرير إدلب سيكون خلال الأيام المقبلة، علينا ان ننتظر قليلاً، والأهمّ من تحرير إدلب هو تحرير شرق الفرات لأنّ هناك موارد، فأسس الاقتصاد السوري موجودة في شرق الفرات، ويجب أيضاً استعادة منطقة الجزيرة، فنحن اليوم نعيش ظروفاً صعبة والمواطن يطالب بتأمين لقمة عيشه إضافة للمشتقات النفطية، نحن أمام مشهد فيه إمكانيات قليلة وإدارة الأزمة لنا ملاحظات كثيرة عليها.
ولفت الحسن إلى انّ الدولة السورية لم تقطع التواصل بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية وهذا من طبيعة السياسة السورية بأنها لا تقطع العلاقات وحتى عندما تكون في عز الاشتباك يكون هناك أقنية للتواصل، ومن حق الدولة السورية أن تحوّل ملفاً امنياً الى ملف سياسي وتستثمر فيه سياسياً واقتصادياً فهل هذا ممكن؟ طبعاً ممكن… فالشخصيات الأميركية التي جاءت الى سورية هي شخصيات رفيعة المستوى وعلى تماس مباشر مع الرئيس الأميركي ترامب والمطالب واضحة وليست سراً وهي الانسحاب الأميركي من شرق الفرات وإلغاء العقوبات الاقتصادية أو الحصار الاقتصادي، فعندما ينسحب المحتلّ الأميركي من شمال شرق سورية بالحدّ الأدنى يعود لنا النفط السوري وأيضاً سلة الغذاء السورية.
الضاهر
وتحدث الباحث والمحلل السياسي الدكتور مهنّد الضاهر في مداخلة له عن الدور التاريخي لسورية فهي كانت مركزاً لضخ الحضارة، فإذا رجعنا للتاريخ نرى انّ اليونان مثلاً منذ القديم لم تكن مكاناً مؤهّلاً للسكن وأول من سكن هذه المنطقة هم السوريون القدامى فهي أخذت معها اللغة، فكلمة أوروبا هي في الاصل اسم لملكة سورية، فسورية مهمة لانّ موقعها مباشر على المتوسط وفي المنطقة التي خرجت منها كلّ الديانات والحضارات والثقافات، فالغاية هي طمس الهوية الثقافية لهذه المنطقة عن طريق إقامة ما يُسمّى «علاقات طبيعية مع الكيان الإسرائيلي».