تغييرات مهمة في سياسة واشنطن الخارجيّة وأسلوب مختلف في ظل رئاسة بايدن
من المقرّر أن يؤدي فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية إلى إحداث تغييرات مهمة في سياسة واشنطن الخارجية، وقبل كل شيء، أسلوب اتصال مختلف تماماً عندما يتعلق الأمر بحلفاء الولايات المتحدة وخصومها.
إذ يمكن للعالم أن يستعدّ على الأرجح لـ»رؤية العودة إلى الإجراءات الرسمية القياسية» في ظل رئاسة بايدن، بدلاً من سياسة المرسوم تلو «التغريد» التي انتهجتها الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
لكن، وبينما أثار فوز بايدن ارتياحاً جماعياً لدى العديد من القادة في أوروبا، حيث عانى العديد منهم علاقات متصدّعة مع ترامب، فإن رد الفعل في الشرق الأوسط لم يكن بذلك الارتياح، بحسب تقرير لشبكة «سي إن بي سي».
وذلك لأنه بينما استفادت بعض الدول من نهج ترامب في التعاملات التجارية والدبلوماسية فإنه تجاهل إلى حد كبير قضايا مثل حقوق الإنسان، كما أن موقف ترامب المتشدد تجاه إيران وافتقار الدعم للفلسطينيين زاد حدة التوتر في المنطقة.
في هذا الصدد، قال حسين إيبش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن: إن «بايدن وفريقه للسياسة الخارجية يرون العالم بشكل مختلف تماماً عما يرى ترامب. إنهم يريدون العودة إلى النظام الدولي المنظم والمؤسسي والمرتكز على التحالف والقائم على القواعد والذي بنته الولايات المتحدة بعناية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ترامب لا يحترم أياً من ذلك».
فيما قالت كريستين فونتينروز، مديرة مبادرة «سكوكروفت» الأمنية للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي: «يشترك كل من بايدن وترامب في هدف تقليص البصمة الأميركية من حيث الوجود العسكري في الشرق الأوسط، وهذا يشمل تقليص التمويل والقوى العاملة. كلاهما يبحث عن تقليل التكلفة لكن ليس الحد من نفوذ أميركا، وسيكون هذا هو التحدّي».
ويُنظر إلى إدارة ترامب على نطاق واسع على أنها تقلل من شأن انتهاكات حقوق الإنسان المبلغ عنها، كما أنها وقعت على مبيعات أسلحة ضخمة للسعودية والإمارات على الرغم من معارضة الكونغرس.
فيما قال مايكل ستيفنز، زميل بارز في معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن «هذا لا يعني أن كل شيء كان وردياً بالنسبة للعلاقات على مدى السنوات الأربع الماضية».
وأضاف ستيفنس: «تفضل بعض دول الشرق الأوسط الأكثر قوة ترامب، لكن تم حرقهم بشكل كبير بسبب عدم القدرة على التنبؤ به. مع بايدن، أعتقد أنهم سيحصلون على 4 سنوات من السياسة التي سيفهمونها ولن يعجبهم حقاً وسوف يفعلون الكثير لتقويضها».
ويقول محللون إنه «من المرجح أيضاً أن يتبنى بايدن إطاراً استراتيجياً يشمل أوروبا، في تغيير كبير عن نهج ترامب الأحادي الجانب».
بدوره، قال رايان بوهل، محلل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «ستراتفور»: «ستسعى الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية إلى إيجاد حلفاء مع ضعف علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة».
وأضاف: «بالنسبة لإدارة بايدن، سوف ينظرون إلى السعودية باعتبارها الجائزة الكبرى للتطبيع». ويتوقع المحللون أن «تشجع إدارة بايدن اتجاه التطبيع، على الرغم من أنه ربما لن يكون بالقوة نفسها التي كان عليها تحت إشراف مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنر».
يذكر أنّ بايدن ونائبته كامالا هاريس من المؤيدين القدامى لـ»إسرائيل»، لكن بعض المسؤولين «الإسرائيليين» قلقون، بالنظر إلى تدهور العلاقات الأميركية «الإسرائيلية» في عهد أوباما.
في حين أنه من غير المرجح أن يعكس بايدن أياً من تحركات ترامب الرئيسية تجاه «إسرائيل» مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فقد أعرب عن هدفه المتمثل في استعادة الدعم للفلسطينيين الذي تم قطعه في ظل الإدارة الحالية.
وقالت هاريس في أوائل تشرين الثاني إن ذلك يشمل «خطوات فورية لاستعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، ومعالجة الأزمة الإنسانية المستمرة في غزة، وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقيّة، والعمل على إعادة فتح بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن».
ووفقاً لاتفاق التطبيع بين «إسرائيل» والإمارات، تعهّدت الأولى بـ»تجميد جهود الضم في الضفة الغربية حتى عام 2024»، وهي مدة الولاية الرئاسية المقبلة.
ومع ذلك، فمن المرجح أن الرئيس المنتخب «سوف يبتعد ببساطة عن سياسات ترامب المؤيدة للضم ويعود إلى التأييد النظري الأميركي التقليدي لحل الدولتين من دون بذل الكثير من أجل دفعه إلى الأمام، لأنه لا يوجد شيء يمكن العمل معه على أي من الجانبين».
ويعتمد القادة الفلسطينيون بالتأكيد على بايدن، حتى يتمكنوا من إصلاح العلاقات مع واشنطن، وهو أمر مهم حقاً بالنسبة لهم، وفقاً لحسين إيبش.
أما السؤال الكبير الذي يلوح في الأفق هو نهج بايدن تجاه المملكة العربية السعودية، الشريك للولايات المتحدة منذ الأربعينيات. وكتب محللون في شركة استشارات المخاطر السياسية «إيه كي إي جروب» في مقال في أواخر أيلول: «لم يعد مضموناً أن تظل الرياض في حظوة واشنطن».
في الواقع، خلال مناظرة أولية للحزب الديمقراطي في أواخر عام 2019، قال بايدن إن إدارته ستجعل المملكة العربية السعودية «منبوذة كما هي».
فيما أعرب مسؤولون سعوديون عن قلقهم بشأن السياسات الأقل تفضيلاً مما كانت عليه في عهد ترامب وما يتوقعونه سيكون عودة إلى سياسات عهد الرئيس السابق باراك أوباما – لا سيما الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة – والمخاطر التي قد يمثلها لدول الخليج العربية التي تعتبر طهران التهديد الرئيسي لها.
كما شهدت العلاقات الأميركية السعودية فتوراً دراماتيكياً في عهد أوباما، الذي دعم بعض انتفاضات الربيع العربي، وأشرف على التقارب مع إيران وانتقد إلى حد ما سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، بحسب «سي إن بي سي».
وتمّت متابعة الانتخابات الأميركية عن كثب في إيران، حيث كان بعض المسؤولين يأملون في نجاح بايدن لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة ورفع العقوبات الاقتصادية الساحقة مقابل معايير جديدة للاتفاق النوويّ. لكن هذا غير مؤكد حتى الآن، لأنه من غير الواضح إلى أي مدى ستكون إيران مستعدة لتقديم تنازلات.