إشكاليّة الكتابة والإخراج والتنفيذ في الدراما العربيّة!
} جهاد أيوب
لا يحدُث التطور في ذواتنا الإبداعية والاجتماعية والثقافية وحتى السياسية إلا إذا اعترفنا بما نعانيه وينقصنا، والأهم أن لا نعيش في الحالة التي وصلنا إليها مهما حققنا من نجاحات، فالعيش بما قد حصل يزيد الجمود، ويزيد فقر المعلومة، ويجعلنا من الماضي، ننظر وننتقد ولا نفيد بقدر ما نصيب الجيل الشبابي بعمق العقد والرفض، ونكون قد ساهمنا من دون أن ندري بتخلف قنواتنا الإبداعية!
من هنا ننطلق لنشير إلى إشكالية الكتابة والإخراج والتنفيذ في الدراما العربية… لماذا الدراما؟
لآن كل الرسائل المراد إيصالها اليوم تصل بسهولة وبتأثير مباشر عبر الأعمال الدرامية من سينما وتلفزيون وإذاعة وما تبقى من مسرح، وناسيين خطر التطور الرقمي!
في السينما نحن نعيش الاستهلاك بما يصلنا من الغرب الهوليودي بكل سمومها المقصودة، وتطوّر صورتها المفعمة بالتكنولوجيا والنص المشهدي خارج النص التنظيري المتهمين به نحن !
في المسرح لدينا سابقاً بعض التجارب المهمة، أما اليوم فنحن لدينا المهرجانات النخبوية على حساب التواصل الاجتماعي، وأغرقنا مسرحنا بالتجريب كلما ابعدنا الناس عنه، وكلما عقدنا نص الخشبة، أما الكتابات فبقيت داخل الكتب، ونستعير بعضها من الماضي البعيد!
يبقى التلفزيون وتجربة السوشال ميديا الرقمية، وهنا بيت القصيد، وهنا القصد الاستغلالي، وهنا الهدف، لذلك إشكالية الكتابة والإخراج والتنفيذ درامياً من الضرورة التطرّق إليها بوضوح الحالة، وتوصلنا إلى حقيقة نعانيها!
الدراما الكتابية، نقولها بهذه الجملة للدلالة على أن الدراما اختصاص وعلم إلى جانب الموهبة، ولنشير إلى أن النص المكتوب يختلف عن النص المشغول، فالأول يحتاج إلى تكنيك في فهم كتابة ونوع النص الدرامي، ولا علاقة له بالنص الأدبيّ، والثاني سيتحمل مسؤولية الفشل أو النجاح!
للأسف غالبية كتاب الدراما في العالم العربي وليس الكل، يكتبون بروح أدبية، وبعمق لغويّ مفرط بالتنظير الورقي من دون الالتفات إلى خيال الحدث المصور، وخارج خيال البعد الكتابي منه وفيه، لذلك تأتي شخوصهم كرتونيّة هشة لا روح فيها، وتنكسر أو يتم إلغاء وجودها من قبل المخرج بسهولة، بينما في الأدب هي مركزية، لذلك حينما نأتي بالنص الأدبي نقوم بمعالجته درامياً من خلال السيناريو والحوار، والدلائل كثيرة في أعمال إحسان عبد القدوس، ونجيب محفوظ، وجبران خليل جبران، وحنا مينا…
الإخراج الدرامي، وهنا العمل الدرامي البصري يختلف عن كل أنواع الإخراج الفني بما فيها الإذاعة والمسرح، ونستطيع الاعتراف أنه على صعيد الدراما التلفزيونية يوجد لدينا ذاك المصور الذي أصبح مخرجاً، أو ذاك المخرج الذي يتحرك كمصور مع إلغاء التخصص والموهبة، ووقوعنا في هذه المشكلة اسبابها كثيرة منها تدخل المنتج، ومنها أننا كنا نفتقر لرؤية المخرج، وأننا نعمل من باب البركة والارتجال، واليوم بعد المعاهد والجامعات والتخصص أصبح عند البعض رؤية، ولكن هذه الرؤية تعيش عقدة التنفيذ!
التنفيذ درامياً…في هذه المرحلة من تطور الحالة البصرية لم تعد الرؤية مطلوبة فقط، بل كيفية التنفيذ للرؤية هو الأهم!
يعتقد بعض المخرجين أن الرؤية تكمن في الجمالية المشهدية المعتمدة على أشياء جامدة من طبيعة يلتقطها البصر، ويتجاهل ما يلي:
أ – الرؤية الجمالية في النصّ، والتي اعتمدت المرونة في الحوار، والمرونة في اقتحام البعد الخيالي والذهني.
ب – الرؤية الجمالية في أداء الممثلين، وذلك بسبب وجود مصور نشيط أعطاه المنتج صاحب المال تجربة الإخراج للتوفير المالي، ولعدم استماعه إلى ملاحظات ونظريات وتنظيرات وطلبات المخرج الفاهم! أو وجود مخرج يعمل بعقلية المصور لكونه يهاب المنتج والعمل، ويخاف النص والفشل، وانشغاله بأكثر من عمل، ولا يعرف إدارة ممثل، ولا يدرك إمكانات حجم الموهبة التمثيلية التي تلعب معه… وهنا العقبة الكبرى في الدراما العربية!
ما أشرت إليه حالة مرضية وقعت فيها الدراما العربية، وإشكالية، قد تصنع بعض النجاح، ولكنها لا تترك في العمل أي بصمة للزمن المقبل، وتسجن كل ما يقدم بالأعمال الاستهلاكية من دون فهم للعبة التنفيذ الإبداعي التخصصي المدرك للجودة والكسب الماليّ الذي يستحقه!
نعم توجد أعمال تنجح رغم عدم توفر الإمكانيات، وهذا حظ، ولكن لا خلاف أن الأعمال التي تمتلك إمكانيات الكاتب المتخصص، والمخرج الملم في إيجاد رؤية وكيفية تنفيذها، والمنتج السخي لا بدّ من أن تترك بصمة، قد لا تنجح في حينه لسوء الحملة الإعلاميّة، ولسوء وقت العرض، أو لتدخّلات سياسية، ولكنها بالتأكيد ستنجح مع الزمن، وستُترك لها مساحة مذهبة، وسنعود إليها في دراساتنا، وكلما تحدثنا عن العمل المتميز!