الإقفال حتى نهاية الشهر فرصة أخيرة
– مرت مواجهة لبنان مع تفشي وباء كورونا بمرحلتين نوعيتين؛ في مرحلة أولى نجح لبنان بتقديم نموذج متقدّم صار موضع تنويه من هيئات عالمية منها منظمة الصحة العالمية ودول أوروبية مثل ألمانيا، وطلبت دول عربية مثل العراق الاستعانة بالخبرة اللبنانية، ومن غير المبالغة القول إن النجاح اللبناني الذي تمثل بتدرج لبنان نزولاً في لائحة الدول وفقاً لترتيب عدد الإصابات من الرقم 139 الى الرقم 171، وبقيت نسبة الوفيات بين المصابين من كل مليون مواطن بين 2 و3 بالمليون، كان نجاحاً لوزارة الصحة التي تمكّنت من إدارة المعركة مع الوباء بحيويّة وجديّة وأظهرت بوزيرها وجهازها والطواقم الطبية للمستشفيات الحكوميّة كفاءة عالية، كما هي نجاح للمجتمع الذي كان تحت وطأة الهلع من تفشي الوباء فقدّم نموذجاً لتطبيق الإجراءات الوقائية والحذر من العدوى.
– المرحلة الثانية الانحدارية في وضع لبنان مع الوباء بدأت مع فتح مطار بيروت وتفاقمت مع انفجار مرفأ بيروت، وصولاً للخروج عن السيطرة، حيث بلغ عدد المصابين الـ 100 الف مصاب وصعد لبنان بصورة هيستيرية في ترتيبه بين الدول من الـ 171 الى الـ 55 وزادت نسبة الوفيات لكل من مليون نسمة من 2 الى 117 وصارت نسبة الإصابات من بين الخاضعين للفحوصات 14%، وبدلاً من التنويه بموقع لبنان ونجاحه أدخلت منظمة الصحة العالمية لبنان الى لائحة الدول الأولى الأكثر عرضة لفقدان السيطرة، وكان ترتيب لبنان بينها رقم 11، والانحدار الخطير المهدّد بالتفاقم لمرحلة الكارثة استهلك مقدرات الجهاز الطبي على التعامل مع الوباء ببلوغ نسبة إشغال غرف العناية الفائقة الـ 90%، والاقتراب من لحظة فقدان فرص الاستشفاء أمام المصابين الذين يحتاجون العلاج، وتكرار المشهد الإيطالي المأساوي مطلع العام.
– في تفسير أسباب الانحدار، الأكيد أن السبب الأول هو الاضطرار للتخلّي عن سياسات الإقفال تحت ضغط الأوضاع الاقتصادية، وفي قلبه فتح المطار والعجز عن مراقبة الحجر على الوافدين، وترافق ذلك مع تراخي شمل المجتمع والأجهزة الحكوميّة تجاه التعامل مع الوباء، بعدما ظهر أن التعايش مع بقائه سيمتدّ طويلاً، وجاء تفجير المرفأ ليصيب المستشفيات بكثير من الأذى ويشغل نسبة عالية من الأسرة، ويسقط التباعد والتشدّد في إجراءات الوقاية لفترة تزيد عن أسبوعين، فتسجل نسب ومؤشرات التفشي قفزة جديدة، وصولاً لدرجة عالية الخطورة، والجوهري في كل الأسباب هو التراخي تحت تأثير الشعور بطول مدة التعايش مع الوباء وسيادة أفكار خاطئة من نوع اعتبار التعرض للوباء طريقاً للتخلص من القلق، فيما يكفي الاستماع لشهادات عدد من المصابين عما عانوه والمخاطر التي واجهوها، وكذلك معرفة نسبة الوفيات بين الشباب والمتعافين من أي أمراض مزمنة، ومنهم عاملون في الجهاز الطبي، لنعرف ان التعرّض للعدوى مخاطرة بالتعرّض للموت.
– الإقفال الذي يبدأ اليوم هو فرصة مزدوجة، لإعادة تأهيل البيئتين المجتمعية والصحية، فعلى مستوى المجتمع إذا تمّ التقيد بشروط الإقفال ومن خلالها إجراءات الوقاية المتشددة يفترض هبوط عدد الإصابات اليومي، وتراجع نسبة المصابين من الذين يخضعون لإجراء الفحوصات الى ما دون الـ 10%، ما يعني تراجع عدد الذين يحتاجون العلاج في المستشفيات وإشغال أسرة العناية الفائقة، وبالتوازي على مستوى الجهاز الصحي رفع الجهوزية بعدما خسر الجهاز الطبي والتمريضي مئات الأطباء والممرضين والممرضات الذين ادت الأوضاع الناتجة عن تدهور سعر الصرف الى تآكل مداخيلهم وقبولهم لعروض عمل في الخارج، وفي رفع الجهوزية زيادة عدد الأسرة والتجهيزات، بالإضافة لالتقاط الأنفاس الذي بات يحتاجه الجهاز الطبي للاستعداد لمرحلة جديدة.
إذا لم يحقق الإقفال النتائج المرجوّة سنكون أمام كارثة محققة، حيث لا ينفع الندم وسنشهد الوفيات على أبواب المستشفيات.