انتكاسة العلاقات الغربيّة التركيّة..
صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن «حاجة الولايات المتحدة إلى العمل المشترك مع أوروبا من أجل مواجهة الأعمال العدوانية الأخيرة لتركيا».
وجاءت تصريحات بومبيو في حديث لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، والتي قال فيها إنه «يتفق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مواجهة عدوانية الأعمال التركية»، مشيراً إلى «دعم تركيا لأذربيجان في الحرب مع أرمينيا بالإضافة إلى التحركات العسكرية في ليبيا والبحر المتوسط».
وتعتبر تركيا أحد أبرز أعضاء حلف الناتو، ومن أقرب الحلفاء (بعد «إسرائيل» طبعاً) إلى الولايات المتحدة في المنطقة، وخلال عقود مضت كانت تركيا تسير وفق رؤية موحدة أوروبية أميركية تحدد سياسة المنطقة، إلا أن الحال يبدو قد تغيّر، وأصدقاء الأمس اصطفوا مع بعضهم في مواجهة تركيا.
وحول هذا التقارب أدلى المحلل السياسي التركي فراس أوغلو يرى فيه أنه «تقارب يجب أن ينظر إليه بنوع من الترقب الحذر»، ويقول «لا يمكن أن نعتبر أن الكتلة الأوروبية كتلة واحدة، بل هناك خلاف كبير في المصالح، حتى لا يوجد منظور واحد في السياسة الخارجية لهذا الاتحاد، فإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وألمانيا لديهم خلافات واضحة في هذا الشأن».
ويضيف: «أيضاً الولايات المتحدة ضغطت على تركيا بشكل كبير للابتعاد عن روسيا وهذا واضح، فقد رأينا التقارب والتنسيق بين روسيا وتركيا في ملفات كبيرة جداً، مثل أرمينيا وشرق المتوسط وليبيا وسورية».
وتفسر المحللة السياسية المختصة بالشؤون التركية هدى رزق الانتكاسة في العلاقات بـ»تغير السياسة التركية تحت قيادة أردوغان»، وتقول: «تركيا تختلف عما كانت عليه من قبل والتي كانت تلتزم بما تريده الولايات المتحدة والغرب، وبعد فشل مشروع الولايات المتحدة بتسليم الإسلاميين للسلطة في مصر، حاول أردوغان أن يكمل هذا المشروع، على أمل أن يعيد سيطرة تركيا على العالم العربي بواسطة الإسلام السياسي، ومن هنا بدأ فقدان الثقة بين تركيا أردوغان والغرب».
وتتابع رزق: «تعمّق هذا الموضوع عندما رفضت الولايات المتحدة الأميركية القيام بعملية عسكرية في سورية، حيث سعت الأخيرة ألا يكون هناك تدخل عسكري مباشر، وإنما عن طريق آخر، وأيضاً موضوع الدعم الأميركي لمحمد فتح الله غولن في موضوع الفساد، فساد السلطة للحكومة التي كان يترأسها أردوغان».
وتضيف: «العلاقة مع الغرب مرت بمرحلة حازمة عندما كانت هناك محاولة للانقلاب على أردوغان، الذي اعتبر بأن الناتو مشارك في هذه العملية، وأن الموضوع قام بتغطية من الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن وصلت العلاقات مع إدارة أوباما إلى حافة الهاوية».
تتجلّى مظاهر الخلاف بين تركيا وحلفائها في الناتو في مختلف الملفات، فهي تحارب الأكراد في شمال سورية بينما تؤمن لهم الولايات المتحدة الدعم الكامل، بينما تسعى تركيا إلى فرض رؤيتها حول استغلال الغاز في شرق المتوسط في مواجهة أوروبا بكاملها تقريباً خلف اليونان، بالإضافة إلى نقاط أخرى من ليبيا إلى مالي وغيرها، والتي تقف فيها كل من تركيا وفرنسا وجهاً لوجه.
الخبيرة بالشؤون التركية هدى رزق تعتقد أن «الخلاف أعمق من ذلك، وتتحدّث عن بدايات الخلاف» وتقول: «بدأ الخلاف بعدما ألغى أردوغان النظام البرلماني واعتمد النظام الرئاسي في تركيا، وأوروبا ترى أن أردوغان ابتعد عن الديمقراطية ومسائل استقلال القضاء وغيرها، ومن جهة أخرى كان هناك مشكلات أخرى كبيرة، قد تكون أولها التقارب الكبير مع روسيا، والذي ترى فيه أوروبا العدو الأبرز لها».
وتكمل: «أيضاً طرأت ملفات عديدة على العلاقات مع أوروبا تحديداً وخصوصاً فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط، وشمال أفريقيا وغيرها من المناطق التي لفرنسا تحديداً نفوذ كبير فيها، فترى فرنسا فيه منافساً إسلامياً يحرّض عليها، ويحاول أن يحل مكانه، كما فعل في ليبيا مثلاً عندما دعم حكومة الوفاق ضد خليفة حفتر».
وتواصل رزق: «نرى أن أردوغان قد حاول عرقلة مشروع الغاز بين مصر واليونان وقبرص، وذهب وعقد اتفاقية مع ليبيا حول الحدود البحرية، وأيضاً أثار موضوع الجزر اليونانية واعتبر أن تركيا ظلمت في هذا الموضوع، وزار مؤخراً قبرص، ولا ننسى هنا أن قبرص واليونان عضوان في الاتحاد الأوروبي».
وتستدرك الخبيرة اللبنانية: «لذلك ترى أوروبا والولايات المتحدة الأميركية أن لدى أردوغان مشروعه الخاص، ويقول إن تركيا دولة إقليمية قوية لديها استقلالها ولديها الحق بأن يكون لديها مشروعها الخاص، وتدخلها الأخير بسبب أن أردوغان يتدخل في أي منطقة صراع في المنطقة، بحجة المصالح الاقتصادية أو القومية أو غيرها».
أوحى تصريح بومبيو يوم أمس للصحيفة الفرنسية على أن هناك اتفاقاً أوروبياً أميركياً لإيقاف الرئيس التركي، أو على الأقل الحد من سياساته في المنطقة، والتي يسعى لفرضها والتلويح بالقوة لكل من يرفضها، فهل ينجح الأوروبيون ومعهم الأميركيون في ذلك.
تقول عن ذلك الخبيرة هدى رزق: «أردوغان الآن يحاول اللجوء لروسيا والتحالف معها، ويقول بأن هناك خطوطاً جديدة في منطقة شرق المتوسط ومنطقة القوقاز، ويحاول الاستعانة بروسيا في المسألة الليبية وأذربيجان، لكن السؤال هل روسيا مستعدة لمساندة أردوغان».
وتستدرك: «روسيا لا تثق فعلياً بأردوغان، وكما قال لافروف ليس هناك تحالف استراتيجية مع تركيا، بل هناك تحالفات حسب المنطقة، وأعتقد أن روسيا ستكون أقوى في تحالفها مع أردوغان، وهي تعي أن بايدن والديمقراطيين يقفون ضدها كما يقفون ضد أردوغان، لكن الغرب يحتاج إلى تركيا».
يأتي تصريح بومبيو في الوقت الذي تجمع فيه إدارة ترامب أمتعتها للرحيل عن البيت الأبيض، وعلى الرغم من أن الرئيس القادم جو بايدن وإن لم يكن قد فاز رسمياً في الانتخابات، فإن الجميع يتوقع أن يحذو بايدن سياسة أقسى مع تركيا وفق تصريحات كان قد أدلى بها سابقاً.
وحول السياسة التي سينتهجها بايدن يقول المحلل السياسي فراس أوغلو: «سيكون هناك توتر ملحوظ بعد وصول بايدن إلى السلطة في بعض الملفات مثل الملف السوري ودعم الأكراد، كما أن المسألة اليونانية قد بدأت تأخذ أبعاداً جديدة دينية داخلية في الولايات المتحدة الأميركية وهو ما يعمل عليه بايدن».
ويتابع: «لكن هناك مصالح كبيرة أميركية مع تركيا لا يمكن مقارنتها مع المصالح الأميركية اليونانية، فالأخيرة هي جزء من الاتحاد الأوروبي ولا تملك قراراً سيادياً كاملاً، على عكس تركيا، فالفروقات كبيرة جداً بين البلدين على صعيد الاقتصاد والقوة العسكرية».
ويختم أوغلو حديثه: «لو حصل ضغط أميركي على تركيا فلن يكون شيئاً جيداً أبداً، فستكون هناك تداعيات لهذا الضغط، وأعتقد أن هناك بعض التوترات المقبلة بين الطرفين التركي والأميركي، مع وصول الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض».