موظفو المستشفيات الحكومية من سيّئ إلى أسوأ…
د. علي سيد*
سنحارب الوباء بجيش مهزوم نفسياً، وموظف لا يملك قوت يومه، الجيش الأبيض هو خط الدفاع الأول والأخير في مواجهة ما نحن فيه من جائحة كورونا، فلو انهزم هذا الجيش من يا ترى سيكون خط الدفاع الثاني ويتصدّى لهذا الفيروس الفتاك، الإجابة: طبعاً لا أحد.
لن أتكلم أو أخوض عن ما آل إليه وضع المستشفيات الحكومية ولا عن 4500 موظف في 33 مستشفى حكومياً على مساحة وطننا، لم تتشرّف نقابتهم بالجلوس مع معالي وزير الصحة لمدة ساعة واحدة فقط، لأنّ الوزارة مشغولة جداً بمحاربة الوباء من خلال القطاع الصحي في لبنان وهي أيّ النقابة العمود الفقري لهذا الجسم، مع العلم بأنّ الهيئة التأسيسية للنقابة طلبت عدة مرات لقاء مع معاليه من دون جدوى.
سأتكلم عن واقع حال معظم الموظفين الذين لم يحصلوا على حقوقهم حتى الساعة والتي كفلها القانون.
كوني عضواً في الهيئة التأسيسية لنقابة موظفي المستشفيات الحكومية في لبنان، وأيضاً في نقابة موظفي المستشفيات الحكومية في الجنوب، سأحاول حصر الكلام في الوضع المزري لموظفي هذا القطاع في الجنوب والذين يبلغ عددهم 1300 موظف.
من أين أبدأ يا ترى، من الموظفين الذين لا يملكون أجرة بدل انتقال من سكنهم إلى مكان عملهم في المستشفى.
من الموظفين الذين باعوا جزءاً من أثاث منزلهم وما يملكون من ذهب على قلته لشراء الحليب والغذاء لأطفالهم.
من الموظفين الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ عشرة أشهر.
من جميع الموظفين في المستشفيات الحكومية الثمانية في الجنوب الذين لم يقبضوا المفعول الرجعي والذي يبلغ 9 ملايين ليرة لأقلّ موظف وهو حقّ لهم ودين على إدارة المستشفى وبالتالي على الدولة.
من مئات الإنذارات من البنوك إلى هؤلاء الموظفين لتسديد مستحقاتهم ودفع القروض المتوجبة.
من أصحاب الدكاكين ومحطات الوقود الذين يذهبون إلى منازل الموظفين بشكل يومي للمطالبة بما أخذوه منذ أشهر ولم يسدّدوا ثمنه.
من تجنّب الأقارب والجيران لهؤلاء الموظفين خوفاً منهم، لأنهم يعملون في قطاع صحي وممكن أن يكونوا مصابين بالفيروس.
فعلاً إنه جيش مهزوم بكلّ المعايير ويريد أن يهزم الوباء الفتاك. أندهش عندما أرى وأسمع الحماس عند بعضهم وخاصة من يعملون في قسم الكورونا كيف يؤدّون عملهم بكلّ تفانٍ وإخلاص واندفاع، وعندما تسأل يقول بعضهم لن نعاملهم كما يعاملوننا فنحن هنا لخدمة أهلنا، وما ذنب المريض بما فعله القيّمون والمسؤولون بنا.
جاءت الجائحة لتزيد الطين بلة، فمن أصل 33 مستشفى حكومياً يوجد 13 مستشفى حتى الساعة يتحمّلون عبء الوباء، بينما من أصل 130 مستشفى خاص يوجد فقط 5 مستشفيات فقط فتحت أقساماً للكورونا.
في صيدا 30 مصاباً بالوباء من الموظفين من أصل 130 موظفاً، وفي بيروت الحكومي 150 مصاباً أيضاً، وفي مستشفى الشحار الغربي الحكومي عدة إصابات بينها الأستاذ هشام خداج رئيس الدائرة الإدارية والمالية وهو يقبع في العناية الفائقة وعلى التنفّس الإصطناعي، ومئات الإصابات التي لا مجال لحصرها أو ذكرها.
آليت على نفسي أن لا أخوض في مشاكل إدارات المستشفيات الحكومية المهترئة بشكل عام، والتي يجب إعادة النظر في معظمها، والتي تبدأ حكماً من رأس الهرم فيها والحديث يطول ولكن ليس هذا عنوان بحثنا.
سبق وذكرت أنّ الموظف من الفئة الخامسة في مستشفيات الجنوب له في ذمة الإدارة 9 ملايين، وبعض الموظفين من الجسم التمريضي لهم بمعدل 21 مليون ليرة، ومنذ أكثر من سنة كان هذا المبلغ يساوي 14 ألف دولار بينما الآن بالكاد يساوي 2600 دولار، وبالرغم من هذا تتمنّع الإدارات عن القيام بواجباتها وإعطاء الموظفين حقوقهم بحجة لا يوجد سيولة.
أضف إلى أنّ الكثير من الموظفين لم يتقاض راتبه منذ أشهر! وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي مستشفى حاصبيا الحكومي لم يقبض الموظفون رواتبهم ومستحقاتهم منذ 10 أشهر! تقاضوا فقط شهر كانون الثاني من سنة 2020، كذلك في مستشفى ميس الجبل الحكومي لم يقبضوا منذ 3 أشهر، أما في صيدا الحكومي أيضاً منذ 10 أشهر لم يحصلوا على ليرة واحدة من رواتبهم والحديث يطول ويطول.
أختم لأقول، موظف المستشفى الحكومي يشحذ ويستجدي لقمة عيشه، كيف يعيش من لا يقبض راتبه ومستحقاته منذ سنوات، وبعضهم في الحجر الصحي بعد إصابتهم بالوباء في مكان عملهم، من أين يأكل هو وعياله وكيف يعيش؟
للأسف، لا نرى سوى بيانات تضامن ومؤتمرات وتنظيرات ومقابلات ورسائل دعم وخطط وإضاءة شموع على الشرفات طبعاً مع التصفيق وأهمّ شيء النقل المباشر على المحطات دعماَ وتضامناً مع هؤلاء الجنود المجهولين الانتحاريين…
*رئيس نقابة موظفي المستشفيات الحكومية في الجنوب