نائب نقيب الصرّافين: لا مقوّمات للجم سعر صرف الدولار
محمد حميّة
بعدما تأمّل المواطنون خيراً بانخفاض سعر صرف الدولار إلى 6000 ليرة، عقب تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، لم تصمد موجة التفاؤل طويلاً، إذ عاد سعر الصرف للارتفاع التدريجي بشكلٍ سريع حتى تخطّى أمس عتبة الـ8000 ليرة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي تتحكم بالسوق السوداء، رغم استقرار سعر الصرف الرسمي في مصرف لبنان والمصارف ما بين الـ1500 ليرة و3950.
تطبيقات مجهولة تحدّد التسعيرة
نائب رئيس نقابة الصرّافين محمود حلاوي أوضح في حوار مع «البناء»، أن «التسعيرة اليومية للدولار تصدر عن تطبيقات موجّهة توزّع على هواتف المواطنين وهي مجهولة المصدر وليس معلوماً كيف تُدار ولا الأسس التي يُبنى عليها في تحديد سعر الصرف وما يجعلها أمراً واقعاً هو اعتمادها من الجميع لعدم وجود البديل الشرعي».
ولفت إلى أن «القاعدة الطبيعية المتحكّمة عادةً بسعر صرف الدولار هي العرض والطلب، إمّا من خلال المصارف، المؤسسات المالية وشركات الصيرفة وهذا مشروع في الاقتصادات الحرّة ويحصل نتيجة حركة واضحة ومكشوفة للبنوك المركزية التي تملك سلطة الرقابة وصلاحية التدخل لتصحيح سعر العملة الوطنية عند الحاجة بالاعتماد على إمكانية تحديد حجم التداول بالدولار والتحكّم بسعره عند اللزوم».
وبناءً على حركة التداول اليومية الحقيقية بحسب حلاوي، يكون تسعير الدولار واقعياً مع الأخذ في الاعتبار مؤشّرات عدّة منها (ميزان المدفوعات، الميزان التجاري، موازنة الدولة، بالإضافة إلى دورٍ فاعلٍ للمصارف التجارية وقدرة مصرف لبنان على التدخل لركلجة سوق الصرف .
كل هذه العوامل كما قال حلاوي، تساهم في تحديد سعر الدولار «لكن منذ عام حتى الآن اختفت هذه المعايير والمؤثّرات العلمية لتحلّ محلها سوق مختلقة تتحكّم بها جهات مجهولة بوسائل غير معهودة».
وأضاف»هناك جهات ومؤسسات لا بل منظمات لديها الإمكانات المادية والتقنية تُطلق هذه التطبيقات وتتحكّم بالسوق، ما يدفع المواطنين للاعتماد عليها في عملياتهم المالية والتجارية لعدم توافر البديل الشرعي ويُمكن أن تكون تلك التطبيقات من خارج لبنان لتوافر وسائل التواصل والاتصال التقنية على الإنترنت والتي يصعب ضبطها».
مضاربات السوق
أما رئيس قسم البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك «بيبلوس» نسيب غبريل، فيعزو انخفاض سعر صرف الدولار في السوق الموازية مع تكليف الحريري لتشكيل حكومة اختصاصيين تنكبّ على تطبيق الإصلاحات البنوية لاستقطاب مساعدات من الخارج، وكان الاعتقاد بأن الضغط المعيشي والاقتصادي خصوصاً بعد انفجار مرفأ بيروت، كما الاتّفاق الظاهر بين المكونات السياسية الأساسية، ستسرّع تشكيل الحكومة، وبالتالي، تراجع سعر الصرف في السوق الموازية بوتيرة سريعة وإلى مستويات منخفضة. لذلك وبحسب غبريل، سارع المضاربون الذين اشتروا الدولار بسعر منخفض منذ زمن ويحتفظون به بانتظار صعود سعر الصرف لتحقيق أرباح، إلى بيع دولاراتهم لجني الأرباح قبل انخفاض سعر صرفه أكثر.
لكن العراقيل كما يقول غبريل، بدأت تظهر، فعادت الأحزاب والتيارات السياسية إلى وضع شروط والمطالبة بحصص ووزارات. فعاد وارتفع سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
أما السبب الثاني بحسب غبريل، فله علاقة بطلب مصرف لبنان من الشركات التي تستورد السلع المدعومة من إيداع 85 في المئة من المبلغ المطلوب بالليرة اللبنانية، ما حفّز الطلب على الليرة وجعل هذه الشركات تبيع دولارات لديها في السوق الموازية لتحصل على الليرة اللبنانية نقداً، ولكن الأفق المسدود في مسار تشكيل الحكومة وما يعني ذلك من تأجيل الإصلاحات والإنقاذ الاقتصادي وضخ السيولة من الخارج، عاد وطغى على الثقة وعلى سعر الصرف في السوق الموازية.
الدولار السياسي
في المقابل تربط أوساط متابعة للوضع السياسي والاقتصادي في لبنان، بين التلاعب بسعر صرف الدولار وسلسلة العقوبات الأميركية الأخيرة وبين ملفات داخلية أساسية وسيادية، ولا سيما تأليف الحكومة وترسيم الحدود البحرية وأزمة النازحين ومشروع التطبيع القائم في المنطقة ومحاولة تمريره في لبنان بطرق وأساليب متعددة. ولفتت في حديث لـ»البناء»، إلى أن «هناك أسباباً اقتصادية ومالية لعدم استقرار العملة الوطنية، لكن هناك أسباباً سياسية أو ما يُعرف بـ»الدولار السياسي» وأبرزها الحصار المالي والاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة على لبنان وسياسة العقوبات والعبث الأمني في الساحة الداخلية بافتعال أحداث متعددة»، وكل ذلك بحسب الأوساط، يهدف إلى إخضاع لبنان للشروط الخارجية تمهيداً لتنفيذ المخطّط المرسوم له.
دور البنك المركزي
وثمة سؤال عن تخلي مصرف لبنان عن وظيفته في ضبط السوق السوداء، فهل يتعمّد ذلك أم هو عاجز؟
وأوضح نائب نقيب الصرّافين في هذا الإطار، أن «مصرف لبنان ليس لديه قوى أمنية وضابطة عدلية لملاحقة المخالفات في السوق السوداء وبالتالي الأمر يفوق إمكاناته لأن آلاف العمليات تحصل يومياً بين ملايين المواطنين الذين أصبحوا يعملون كصرّافين غير شرعيين»، والمشكلة برأي حلاوي، هي أن «المركزي» لا يستطيع حصر العمليات المحقّقة يومياً كونها لا تنفّذ عند الصرافين الشرعيين بسلطة رقابته عليهم وبالتالي تحصل العمليات في أسواق جانبية تُسمّى «سوق سوداء».
لكن لماذا تم إقصاء الصرّافين الشرعيين عن التداول بالدولار لصالح التجّار غير الشرعيين؟
تساءل حلاوي عن «سبب عدم إعادة الدولة وحاكم البنك المركزي هذا الدور إلى الصرّافين الشرعيين في ممارسة عملهم ومهنتهم التي ضمنها لهم قانون تنظيم المهنة؟ علماً بأن الصيرفي يخضع لرقابة لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، فيتمكن الأخير من إحصاء عمليات البيع والشراء ويستند إليها لإجراء دراساته وتحليلاته الخاصة كما يمكنه التنسيق مع نقابة الصرّافين لتحديد كيفية ضبط التأرجح الحادّ في سعر الصرف الذي وصل إلى 3000 ليرة خلال أيام، إضافةً إلى تفعيل جدوى المنصّة الإلكترونية التي أنشأها مصرف لبنان لضبط سوق القطع لدى الصرافين الشرعيين بإدخال كامل حركة التداول بالدولار إلى برامجها، على عكس الغموض التام الذي يلّف حركة السوق السوداء لذلك على الدولة والمركزي واجب تنظيم الوضع المالي ولا سيما سوق القطع بإعادة الدور إلى الصرّافين الشرعيين وإخضاعه للمراقبة».
الدولار إلى ارتفاع
فهل سيُكمل سعر الدولار ارتفاعه إلى معدلات قياسية؟ اعتبر حلاوي أن سعر الدولار عادةً يرتبط بالمؤشّرات المالية والاقتصادية التي ترتبط بخطط حكومية واضحة المعالم وإلى قدرة المركزي وملاءة المصارف ونشاط القطاع الخاص «لكن اليوم جُلّ ما نحتاجه هو استعادة الثقة بهذه المكوّنات لإعادة التوازن إلى سوق الدولار، وهذا يتم من خلال إعادة ضخّ مليارات الدولارات المخبأة في المنازل في السوق وفي المصارف وباتخاذ إجراءات جدّية لإعادة الثقة وجذب المغتربين والمستثمرين الخارجيين».
لكن حلاوي أعرب عن مخاوفه من عدم توافر المقوّمات المطلوبة، مشيراً و»للأسف الى أن الاحتمال الأكبر ألاّ يجد الدولار ما يلجم ارتفاع سعره في ظلّ استمرار المعوقات الحالية التي تشهدها البلاد».