«غزة» تقاوم على جبهتين لإنقاذ قضية فلسطين
} د. وفيق إبراهيم
يشعر الفلسطينيون للمرة الأولى منذ سبعة عقود أن قضيتهم التاريخية دخلت سرداباً مظلماً نتيجة سياسات عربية وأميركية استسلم لها قياديون فلسطينيون يحاولون بها إنهاء هذه القضية بشكل بنيوي وتاريخي.
هناك اذاً استسلام عربي كامل تقوده السعودية والإمارات استفاد من مرحلة الرئيس الأميركي ترامب لتمرير تطبيع مع ثلاث دول عربية وكان منتظراً جذب عشر دول عربية وإسلامية نحو دائرة التطبيع لفرض انهيار كامل في معادلة المقاومة الرافضة لهذا المنحى والمصرّة على تحرير فلسطين من بحرها إلى نهرها.
لقد تدرّج الضغط على الفلسطينيين من ترامب الأميركي الذي نقل سفارته الى القدس، معلناً إسرائيليتها قاطعاً كل العلاقات الدولية والأميركية بالفلسطينيين ومقدّماً الجولان السوري المحتل هدية لـ«إسرائيل»، وملغياً علاقات بلاده بالسلطة الفلسطينية، معتبراً أن الضفة الغربية إسرائيلية.
قد لا تكون هذه القرارات كافية لإنهاء القضية الفلسطينية، خصوصاً أن جبهة المقاومة العربية الإيرانية والفلسطينية تسجل أفضل الإنجازات حالياً، لكن التحالف الخليجي – السوداني مع الأميركيين والإسرائيليين أحدث صدمة في المناخ العربي – الفلسطيني دافعاً المترددين والمتواطئين الى البحث عن أساليب جديدة للاستمرار.
في الداخل الفلسطيني هناك قطاع غزة الذي لم يجد ضرورة لتغيير نهجه، فهو يجمع بين صفة المقاتل الدائم للعدو الإسرائيلي والساعي المتواصل لإعادة إحياء الفكر المقاوم في الضفة الغربية.
هذه الضفة التي يقودها أبو مازن محمود عباس هي التي أصيبت نتيجة القرارات الأميركية بضربة على مشروعها الذي كان يريد دولة فلسطينية على قسم من الضفة وغزة.
لذلك وطيلة الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة التي لم تتوقف أبداً، كانت إدارة محمود عباس في الضفة تلتزم الصمت وتتبنى التجاهل توهماً منها أن انكسار القطاع أمام الكيان الاسرائيلي يؤسس لإعلان دولة فلسطينية مختصرة على قياس محمود عباس.
إلا أن الانقلاب الذي أعلنه ترامب بمحاولة إلغاء فلسطين نهائياً، دفع بأبي مازن الى تجرع الكأس المرّة وهي مفاوضة منظمات غزة أو تلك المتمردة عليه في الضفة.
وكانت سلسلة لقاءات في تركيا ومصر بينه وبين منظمات حماس والشعبية والديموقراطية والجهاد أدت الى سلسلة توافقات على استمرار المقاومة في وجه الكيان الإسرائيلي، وتنظيم انتخابات وإقرار تعاون على كل المستويات الى درجة الاندماج.
ما بدا غريباً في هذه اللقاءات أنها لا تعكس مستوى الخطر الذي تتعرّض له القضية الفلسطينية، فهي انعقدت أولاً في تركيا العضو في حلف الناتو والتي تقيم علاقات دبلوماسية مع «اسرائيل» منذ ستة عقود، كما أن علاقاتها الاقتصادية بهذا الكيان عميقة جداً ومزدهرة، فكيف يمكن تحرير فلسطين انطلاقاً من بلد يعترف بعدو فلسطين؟
اما لجهة مصر فهي أرض الكنانة لكن من يديرها حالياً هو السيسي وريث أنور السادات بالنهج والسياسة والارتماء بالحضن الأميركي.
فكيف يمكن لمصر أن توافق على إدارة لقاءات بين منظمات فلسطينيّة تريد تحرير فلسطين، وهي التي تعتبر «اسرائيل» حليفة لها ضمن الخط الأميركي – السعودي؟
فهل محمود عباس هو الذي تمكن من جذب حماس الى مصر أم أن المسألة تقف عند حدود عدم قدرة الفلسطينيين على تجاوز مصر التي تجاور قطاع غزة وتتحكم بحركته العربية.
هناك اذاً اتفاق بين المنظمات الفلسطينية والسلطة، اعتبره الفلسطينيون إنقاذاً لقضية فلسطين والتحاماً مع حلف المقاومة في المنطقة.
لكن ما حدث هو أن ترامب الأميركي خسر الانتخابات الرئاسية في بلاده ونجح غريمه بايدن الديموقراطي المؤيد بالطبع لـ«إسرائيل» وربما بطريقة تفيدها أكثر من طرق ترامب الصاخبة إنما بمفعول محدود.
فبايدن يريد إنهاء هذه القضية من خلال دويلة للفلسطينيين تقوم على ستين في المئة من الضفة مع قطاع غزة، وبذلك تنتهي هذه القضية الى الأبد، كما يزعمون.
هذا ما دفع برئيس السلطة الفلسطينية الى الانقلاب على اتفاقه الجديد مع المنظمات الفلسطينية عائداً بقوة الى تطبيق اتفاقاته السابقة الأمنية والسياسية والإدارية والمالية مع الكيان الإسرائيلي. بما يلغي حواراته في مصر وتركيا مع حماس ومثيلاتها.
فماذا يعني هذا الانقلاب؟
اتصلت السعودية بمحمود عباس لتعيده الى موقعه الإسرائيلي بذريعة أن بايدن الأميركي لن يتأخر في إلغاء كامل قرارات سلطة ترامب الفلسطينية، ومقابل الإبقاء على السفارة الأميركية في القدس فإنه بصدد إنشاء قنصلية أميركية في القدس الشرقية الفلسطينية.
وما أن تلقى أبو مازن هذه المعلومات من أطراف سعودية وأميركية حتى انقلب على اتفاقاته الفلسطينية.
ماذا يعني هذا الأمر؟
لا يعني إلا إضافة عنصر جديد على قطاع غزة الذي يجاهد في وجه «إسرائيل» بشكل ملحمي، ويبدو أنه ذاهب الى مجابهة محمود عباس شعبياً وسياسياً في قلب الضفة الغربية، بما يجعله حاملاً مهمتين كبيرتين: مقاومة العدو الخارجي ومجابهة العدو الداخلي.
بما يدفع حلف المقاومة من لبنان الى اليمن لتزخيم دعمه للقطاع بما يتلاءم مع الأخطار المستجدّة، وذلك حرصاً على غزة وفلسطين التي تجاهد أكثر من ثمانين عاماً.