لماذا تندفع البحرين بسرعة نحو الكيان الإسرائيليّ؟
} د. وفيق إبراهيم
تستعجل مملكة البحرين بناء آليات مشتركة سياسية وأمنية ودبلوماسية وعسكرية مع الكيان الإسرائيلي، بما يوحي وكأن هناك اسباباً موجبة تدفع حكام البحرين الى هذه العجلة وتدفعهم الى تثبيت التطبيع مع العدو الإسرائيلي قبل انبثاق مفاجآت قد تؤدي الى الإطاحة به او عرقلته على الأقل.
لجهة السبب الأول، فإنه خسارة الرئيس الاميركي للانتخابات الرئاسية الأخيرة. فهذا بالنسبة لحاكم البحرين حمد بن عيسى من الأيام العصيبة. ليس لأن الفائز بايدن قد يكون أقل دعماً للبحرين، بل لانه أكثر إصراراً على الانتهاء من القضية الفلسطينيّة عبر حلّ الدولتين: إحداهما للفلسطينيين تقوم على جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة.
فما الذي يرعب حمد اذاً؟
يبدو انه يبحث عن حلفاء مقتدرين من الإقليم لأنه مرتاب من سياسات بايدن تجاه إيران، والمطلوب بالنسبة إليه دولة إقليمية قوية تناصب إيران العداء بما يؤكد أن هذه المواصفات لا تنطبق إلا على “إسرائيل”.
لذلك لم ينتظر حمد الطلب الأميركي – السعودي منه، للتطبيع فاندفع من دون تريث ملبياً الأوامر من ولاة امره في واشنطن والرياض ومستجيباً في الوقت نفسه لخصوصية مملكته التي تحتاج دائماً الى إسنادات إقليمية من اصحاب الأوزان الثقيلة.
لمزيد من التوضيح فإن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي نتانياهو كشف في حديث له ان الكيان الإسرائيلي على علاقات تنسيقيّة مشتركة منذ مدة طويلة كانت تعمل سرياً وتركز هدفها على مراقبة إيران والتجسس على تقدمها في صناعة السلاح وتحالفاتها الاقليمية مع بناء شبكة اتصالات مع معارضين إيرانيين في الداخل والخارج.
هناك تقارير تؤكد ان العمل المشترك البحريني الإسرائيلي يتركز على تحريض بين المكوّنات الإيرانية المتعددة كالكرد وعرب الأهواز والأذربيجانيين، واشاعة فتنة بين الشيعة والسنة. هذا مع دعم المعارضين الإيرانيين الفرس وإسنادهم مادياً وحمايتهم في حركاتهم الاعلامية واللوجستية. هذه العلاقات اذاً كانت موجودة دائماً لكنها استغلت تقدماً اميركياً سعودياً اكبر نحو “إسرائيل” فواكبته الى ان تجاوزته.
لماذا تعادي مملكة حمد إيران؟
هناك بالطبع اسباب سعودية واميركية لكن الاسباب الخاصة بمملكة آل خليفة هي الاوضح، فالحكم في هذه المملكة ديكتاتوري صارم يعتمد الإرهاب والقتل وسيلة وحيدة للإقناع ولا يستطيع العيش إلا في اطار تأييد السعودية بكل مواقفها، وذلك في اطار سياسات تقوم على التحريض المذهبي، وذلك كوسيلة تمنع اكتمال شروط الوحدة الوطنية.
هذه هي الوسائل الخبيثة التي تجعل السعودية تعتبر سياسات إيران وكأنها محاولة لتشييع المنطقة، فبذلك تفرّق بين الناس مذهبياً فتمنع توحّدهم الى ان تذهب الى الاعتماد على المسألة القومية، فتكسب الخطة السعودية البحرينية شرائح شعبيّة من الناس بشعار الانتماء الى العروبة في وجه الفارسية.
بالعودة إلى البحرين، فإن مملكتها التي تعرف مدى عداء البحارنة لها تلعب اللعبتين المذهبية والعرقية في آن معاً، لكن هذا لم يجعلها تصل الى مرحلة الاطمئنان العميق.
فاستعجلت الرحلة العلنية الى “إسرائيل” لطلب افتتاح سفارتين بين البحرين والكيان الإسرائيلي المحتل. وهذا يعني نقل العلاقات السرية بينهما الى مرحلة أكثر عمقاً وفاعلية.
بما يكشف ان الرعب الذي يسكن مملكة البحرين هو من شعبها أولاً وأخيراً لانه يريد دولة تقوم على الحريات السياسية والاقتصاد الوطني الذي لا يلعب دوراً تابعاً للاقتصاد السعودي والخليجي.
ضمن هذه المعطيات هناك اضافات تقدم سبعة دلائل على مدى رعب آل حمد من شعبه.
فهذه المملكة تحتمي بقواعد عسكرية ضخمة ودائمة، الأولى أميركية تشكل اعلاناً اميركياً صارماً بأن مملكة البحرين هي جزء من الجيوبوليتيك الاميركي الذي لا يقبل بأي اختراقات مهما كانت صغيرة.
هناك أيضاً قاعدة عسكرية بريطانية تعلن الانتماء التاريخي للبحرين كمملكة اخترعتها المخابرات البريطانية لمراقبة الحركة في مياه الخليج وحماية مملكة آل سعود من جهة البحر وإيران.
كذلك لا يمكن ان ننسى وجود قاعدة فرنسية عسكرية تجسد موقف الاتحاد الأوروبي المؤيد لدعم البحرين والمؤكد على دور فرنسي في تلك الأنحاء، أما عن الإضافات فلا تحصى. فهناك درك أردني وقوات سعودية وقوات مجلس التعاون الخليجي وأخيراً قوات المملكة، بما يكشف ان الجزء المأهول من جزر البحرين يحتاج الى سبع قوى عسكرية مختلفة لحمايته.
وها هي “إسرائيل” تتحضّر لبناء قاعدة ثامنة على اراضي البحرين تأكيداً لاختراقها المدى العربي الخليجي، وإعلاناً عن تضامن خليجي إسرائيلي معادٍ لإيران وانطلاقاً نحو علاقات اقتصادية بين الخليج و”إسرائيل”، يستطيع فيه كيان العدو تسويق سلعه وسلاحه و”قواته” لقاء بدل معلوم.
لا بد هنا من التنبيه الى ان “إسرائيل” تريد أيضاً من هذا الاختراق تأكيد الانتهاء من قضية فلسطين. لكنها تعرف بالعمق ان هذه الاختراقات مهمة، إلا أنها تعلم ايضاً ان الفلسطينيين المدعومين من سورية وحزب الله وإيران لن يتركوا أبداً قضيتهم متمسكين بها حتى النصر المؤزر.