منطقة تجارة حرة في أفريقيا والأكبر في العالم.. هذا ما نعرفه عنها حتى الآن
قال جيود مور، وبوجولو كنوود في تقرير على موقع مجلة «فورين بوليسي» إنّ العديد من قادة العالم، بما في ذلك أفريقيا، قد هنأوا الرئيس الأميركي المنتخب، جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس بفوزهما بالانتخابات الرئاسية، بعد أربع سنوات من شن الإدارة الأميركية حرباً على المؤسسات متعددة الجنسيات.
ويوضح الكاتبان أنّ هذا يأتي في وقت مثالي للقارة السمراء التي تسلك مساراً اقتصادياً جديداً. ففي عام 2018 وقع رؤساء الدول الأفريقية اتفاقية لإحياء منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، التي ستغيّر قواعد اللعبة في التجارة الإقليمية والدولية والأفريقية.
عندما تدخل حيّز التنفيذ على مراحل خلال الأشهر والسنوات العديدة المقبلة، ستغطي منطقة التجارة الحرة القارة الأفريقية سوقاً يضمّ أكثر من 1.2 مليار شخص وما يصل إلى 3 تريليونات دولار من إجمالي الناتج المحلي المشترك، مع إمكانية زيادة التجارة البينية الأفريقية بأكثر من 50%، وفقاً للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة. وفقاً للبنك الدولي، يمكن أن تضيف الاتفاقية 76 مليار دولار من الدخل لبقية العالم. عند اكتمالها، ستصبح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أكبر منطقة تجارة حرة في العالم منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية.
ويؤكد الكاتبان أنّ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية سترفع من مكانة الاقتصادات الأفريقية والمواطنين الأفارقة. ستعزز الاتفاقية التنافس وتحفز الاستثمار والابتكار والنمو الاقتصادي من خلال زيادة الكفاءة وإزالة الحواجز أمام التجارة. في الواقع، ستلغي الاتفاقية التعريفات الجمركية على 90% من السلع، وستطبق الشيء نفسه تدريجياً على الخدمات – هذا في وقت تعيد فيه مناطق أخرى من العالم التفكير في اتفاقيات التجارة والتكامل الاقتصادي.
من المتوقع أن يؤدي إلغاء التعريفات الجمركية على السلع على وجه الخصوص إلى زيادة قيمة التجارة البينية الأفريقية بنسبة تتراوح بين 15 إلى 25% بحلول عام 2040. وهذا من شأنه أن يترجم إلى ما بين 50 و70 مليار دولار في القيمة. ولكن حتى تحقق منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية المرجو منحها، ستحتاج القارة إلى المساعدة والاستثمار لتحديث بنيتها التحتية. وهذا ما يجب أن تعرفه إدارة بايدن القادمة.
الاتفاقية تدخل حيّز التنفيذ في كانون الثاني المقبل
من المقرّر أن يبدأ تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، على الرغم من تأخره بسبب جائحة كورونا، في كانون الثاني 2021، مع التركيز أولاً على تسهيل التجارة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والتي تمثل 90% من الوظائف في القارة. ومع ذلك – يستدرك الكاتبان – فإنّ العالم الذي ستواجهه منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية وقتئذ سيكون مختلفاً بشدة عن العالم الذي صمّمت فيه.
هناك تحديات أكثر من أيّ وقت مضى، لا سيما بسبب الدمار الاقتصادي الذي أحدثه الوباء – أزمة صحية واقتصادية غير مسبوقة، كما أشار صندوق النقد الدولي، تهدّد بإبعاد المنطقة، وعكس مسار التقدّم الإنمائي في السنوات الأخيرة، وإبطاء آفاق النمو في المنطقة في السنوات المقبلة.
إلى جانب تأثير الوباء، يجب التغلب أيضاً على بنية التجارة الحالية للقارة. فالترتيبات التجارية الإقليمية الحالية «تظهر أنماطاً محدودة، وتعتمد على المنتجات الأولية، وتنطوي على مستويات منخفضة من التجارة بين البلدان»، وفقاً لما ذكره ويليام أمبونسا، الخبير التجاري. في الواقع تهيمن حفنة من البلدان التي تبيع عدداً قليلاً من المنتجات على التجارة البينية الأفريقية. وبينما يتحسّن هذا الوضع، تظلّ مشكلة انخفاض مستوى التجارة بين البلدان الأفريقية بلا حلّ.
في الواقع، ستجني أفريقيا فوائد أكبر من تنويع التجارة والارتقاء في سلسلة القيمة أكثر من مجرد تطبيق اتفاقية التجارة الحرة فقط. الوضع القائم هو أنّ الصادرات الأفريقية في مجملها مواد خام: منتجات زراعية ومعدنية، بالإضافة إلى أنّ حوالي 70% من القيمة المضافة تضاف (أو تحسب) خارج القارة. القيمة المضافة المحدودة هي – جزئياً – نتيجة اتفاقات التجارة التي تعاقب المنتجات المصنعة من أفريقيا لحساب المنتجات الخام. وهذه الاتفاقات تحتاج إلى التعديل لتتمكن القارة من جني النفع الأقصى من منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية.
ويؤكد الكاتبان أنّ البنية التحتية الضعيفة في أفريقيا تمثل تحدياً آخر. فمن أجل الارتقاء في سلسلة القيمة، ستحتاج القارة إلى مزيد من القدرة على المعالجة والتعبئة وما شابه ذلك. لكن القوة اللازمة لإجراء هذه العمليات غالباً ما تكون غير كافية ومكلفة. على سبيل المثال، على الرغم من أنّ جمهورية الكونغو الديمقراطية قد حظّرت تصدير بعض المعادن الاستراتيجية في محاولة لتشجيع التكرير والإنتاج محلياً، لم يكن أمام البلد خيار سوى إصدار إعفاءات غير محدّدة من الحظر؛ لأنه ليس لديها القدرة على الصهر للاستفادة منها بنفسها.
وتمثل القوى العاملة مشكلة أخرى في أفريقيا. بالنظر إلى النمو السكاني والتوسع الحضري السريع، ستحتاج قدرة التصنيع الزراعي في القارة إلى الترقية لإنتاج ما يكفي من الغذاء. على الرغم من أنّ أكثر من 50% من القوى العاملة تعمل في الزراعة، فإنّ أفريقيا تستورد 72 مليار دولار من المنتجات الغذائية والزراعية سنوياً، وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. تحتاج القارة إلى مزيد من الكفاءة في المعالجة الزراعية حتى تكون أكثر اكتفاءً ذاتياً.
باختصار، ستكون منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية أكثر قيمة إذا كانت أفريقيا قادرة على تنويع صادراتها وتطوير منتجاتها، ولن يكون ذلك مُمكناً إلا من خلال العمود الفقري الوظيفي للبنية التحتية، بما في ذلك الغذاء والطاقة والنقل. كان تمويل هذه المجالات تحدياً قبل انتشار الوباء. وسيكون الأمر أكثر صعوبة بالنظر إلى أزمة الديون الحالية وانهيار الإيرادات.
كيف يمكن لإدارة الرئيس المنتخب المساعدة؟
يكشف الكاتبان عن أنه يمكن أن تلعب هنا إدارة بايدن المقبلة دوراً مهماً. إنّ نجاح منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية سيتوقف على التعافي السريع بعد الوباء. كما يشير تقرير صادر عن شركة «Palladium» للإدارة، «فمن شأن التعبئة غير المسبوقة لرأس المال الخاص العالمي أن تدفع النمو الاقتصادي للطرفين الذي يعالج الأولويات الرئيسية بما في ذلك خلق فرص العمل، وتطوير البنية التحتية، وتحسين الخدمات الاجتماعية». يمكن لإدارة بايدن التعاون مع شركاء آخرين ودفع التمويل الخاص إلى السوق الأفريقية الموحدة.
من المؤكد أنّ التحديات التي تواجه أفريقيا تجعل مشروع التكامل الاقتصادي أكثر صعوبة عن أيّ مكان آخر. لكنها لا تقلل من الفرص الاقتصادية في القارة.
كتب مؤلفو التقرير أنّ الأسواق الأفريقية ما تزال «تقدّم للمستثمرين فرصاً جذابة لتحقيق عوائد في مجموعة واسعة من القطاعات الناشئة، مثل التكنولوجيا المالية والتعليمية والصحية، إلى القطاعات الأكثر تقليدية بما في ذلك الطاقة والأعمال التجارية الزراعية». وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة يمكنها زيادة شراكتها الاقتصادية مع القارة بما يعود بالنفع المتبادل على الجانبين. باستخدام أدوات التنمية الحالية والاستثمار المشترك مع الوكالات الثنائية والمتعددة الأطراف الأخرى، يجب على الولايات المتحدة تقديم الدعم لمشروع التكامل الإقليمي لأفريقيا.
يقول الكاتبان إنه في عام 2018 أطلقت واشنطن منظمة «بروسبر أفريقيا» لتنسيق موارد الحكومة الأميركية وتوسيع فرص الأعمال في أفريقيا بهدف مضاعفة التجارة المتبادلة بين الجانبين. ولكن لا يزال من غير الواضح كيف سيجري تنفيذ هذا المشروع، الذي يبدو رائعاً من حيث المبدأ. وفي الوقت نفسه، كان ردّ الولايات المتحدة الرسمي على اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية متناقضاً.
إنّ ما يثير استياء القيادة الأفريقية هو أنّ الولايات المتحدة تواصل التفاوض بشأن اتفاقية تجارية ثنائية مع كينيا على أمل تطوير نموذج يمكن تطبيقه لاحقاً على دول أخرى في أفريقيا. يأتي هذا الجهد بعد فترة من التراجع في التجارة المتبادلة بين الولايات المتحدة وأفريقيا: بين عامي 2014 و2018، انخفضت الصادرات الأميركية إلى أفريقيا بنسبة 32%، بينما انخفضت الصادرات من أفريقيا إلى الولايات المتحدة بنسبة 55% في الفترة نفسها.
لدى إدارة بايدن الآن فرصة لتعزيز شراكتها الاستراتيجية مع أفريقيا من خلال الاستثمار في منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية. تمتلك الولايات المتحدة بالفعل مجموعة من الأدوات والمؤسّسات السياسية التي تجعل مثل هذا الدور قابلاً للتطبيق. ومن بينها «باور أفريقيا»، و«بروسبر أفريقيا»، وشركة «ميلينيوم تشالنج (إم سي سي)»، والمؤسسة الأميركية لتمويل التنمية الدولية (دي إف سي) التي جرى إطلاقها مؤخراً. تهدف «باور أفريقيا» إلى إضافة أكثر من 30 ألف ميغاواط من قدرة توليد الكهرباء الأنظف والأكثر كفاءة لـ 60 مليون منزل وشركة جديدة من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص.
تتمتع المؤسسة الأميركية لتمويل التنمية الدولية، بتفويض موسع وموارد أكبر. أما شركة «ميلينيوم تشالنج»، التي تقدّم منحاً كبيرة (بمئات الملايين من الدولارات) لتعزيز النمو الاقتصادي، والحدّ من الفقر، وتقوية المؤسسات، فقد دشنت مشروعات إقليمية تشمل دولتين أو أكثر. كلّ هذه الأمور، التي يمكن أن تساعد أفريقيا على معالجة مشكلات البنية التحتية، هي خطوة في الاتجاه الصحيح.
يمكن أن يكون لهذه المشروعات، التي تُنفذ بالتنسيق مع شركاء أوروبيين ويابانيين وهنود، تأثير كبير في النمو الاقتصادي في أفريقيا وتوسعها سوقاً للسلع والخدمات الخارجية. كما هو متصوَّر حالياً، ستكون «Prosper Africa» محطة متكاملة لتسهيل زيادة التجارة والاستثمار بين الشركات الأميركية والأفريقية. إنّ للمبادرة روابط واضحة مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وإذا جرى تنفيذها بالكامل، يمكن أن تحقق فوائد لكلا الطرفين.
تتمتع كلّ من أفريقيا والولايات المتحدة بفرصة لزيادة جودة التبادل الاقتصادي ونطاقه بينهما، لكن فعل ذلك يتطلب سياسة أميركية متماسكة تجاه القارة. وتوفر منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية منصة لتحقيق ذلك.
“ساسة بوست»