«ناشيونال إنترست»: هل يذهب بايدن إلى حرب لوقف «الغزو» الصيني لتايوان؟
نشرت مجلة «ناشيونال إنترست» الإلكترونية تقريراً تناول إمكانية اتباع الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن خُطى الرئيس جون كينيدي الذي تبنّى رؤية أن يكون لأميركا رأي في الشؤون العالمية في خضمّ التهديد الشيوعي. أعدّ التقرير الكاتبان باتريك مينديس، دبلوماسي أميركي سابق وأستاذ عسكري في قيادات الناتو والمحيط الهادئ، وجوي وانغ، محلل عسكري في الولايات المتحدة.
هل تتغيّر استراتيجية أميركا تجاه تايوان في عهد بايدن؟
يستهلّ التقرير بأنه الآن بعد إعلان جو بايدن رئيساً منتخباً للبلاد، هناك قلق بالغ في العاصمة التايوانية تايبيه من أنّ «عودة مستشاري السياسة الخارجية في عهد أوباما في إدارة بايدن المحتملة» يمكن أن تعني نهجاً «أكثر تصالحاً» تجاه الصين و«أقلّ دعماً لتايوان» مقارنةً بإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
وفي الواقع، لا تهتمّ بعض مناطق العالم بمَنْ فاز في الانتخابات الأميركية؛ إذ تملي الجغرافيا والتاريخ أنّ سياسة الدفاع الأميركية وأمن تايوان متماثلان ولا يمكن الفصل بينهما. والأهمّ من ذلك، هل سيدفع الرئيس الديمقراطي القادم – مثل الرئيس جون كينيدي – «أيّ ثمن» لدعم تايوان و«بقائها ونجاحها في ممارسة الحرية» في مواجهة الحزب الشيوعي الصيني؟
يشير الكاتبان إلى أنّ عقوداً من النمو الاقتصادي منذ اتباع دينغ شياو بينغ (رئيس الصين من 1978 حتى 1992) سياسات الإصلاح والانفتاح منحت الصين الموارد اللازمة لممارسة قوّتها عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً. وعلى مدار العقد الماضي، ابتعدت بكين تدريجياً عن فلسفة دينغ «اخفِ قوتك، وخذ وقتك» وبدأت الآن في الكشف عما ينوي الرئيس شي جين بينغ فعله بهذه القوة. وتأتي الوحدة مع تايوان، والتي يمكن تحقيقها بالقوة إذا لزم الأمر، على رأس قائمة المراحل النهائية للسياسة الخارجية التي وضعها الرئيس شي.
ومع ذلك، لم تحظَ الآثار والمضامين الكبرى لفكرة غزو تايوان بنقاش يُذكر رغم أنها تُعدّ أحد العناصر الاستراتيجية للحزب الشيوعي الصيني، فالاستيلاء على تايوان ليس غاية في حدّ ذاته. إذ لا تستند خطة الصين الكبرى الآن المتعلقة بالوحدة مع تايوان على المظالم التاريخية التي لم يجرِ حلها فحسب، ولكن تعتمد أيضاً على ضروراتها الجيوستراتيجية. وكلا البلدين مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً.
النهاية لعمل غير مكتمل
يقول الكاتبان: بعد الحرب العالمية الثانية، استمرت الحرب الأهلية بين الشيوعيين بقيادة الرئيس ماو تسي تونغ والقوميين الكومينتانغ (حزب الكومينتانغ)، مع تراجع الجنرال شيانغ كاي شيك من جمهورية الصين في النهاية إلى تايوان في عام 1949. ومنذ ذلك الحين، استمرت الصين في سياسة التهديد بالحرب: ومع ذلك، كانت العلاقات عبر المضيق في العقود الأخيرة سلمية إلى حد كبير – وحافظ على استمرار ذلك سياسة الولايات المتحدة المُتسمة بـ«الغموض الاستراتيجي».
ومع ذلك، وبينما تتقدّم بقية العالم، استمرت الحرب الضروس بين الشيوعيين والقوميين مع تزايد القلق في تايوان. ولم يغفل الحزب الشيوعي الصيني مطلقاً عن أهدافه الاستراتيجية – وأبرزها الحفاظ على التركيز على التوحيد مع «المقاطعة الانفصالية» وإنهاء هذا الصراع.
وعلى مرّ السنين، ظلت الدروس المستفادة من الاتحاد السوفياتي السابق وتفككه سائدة في وعي قادة الحزب الشيوعي الصيني. واستدعى شي باستمرار آمال الرئيس ماو أو «التطلعات الأصلية» للحزب الشيوعي لتحذير القادة الحاليين لتجنّب الانجراف، قائلاً: «إذا فقدنا ماو، فإننا نفقد تاريخ الحزب المجيد».
إنّ خسارة هذا التاريخ ستشمل على الأرجح التخلي عن التوحيد حيث لا يزال قدامى المحاربين الكوريين في الصين يشعرون بالمرارة حيال الطريقة التي تعطلت بها خطة ماو لاستعادة الجزيرة. ومن خلال حملته الدعائية، استخدم الحزب الشيوعي الصيني بعد ذلك مسألة توحيد تايوان «باعتبارها مبرّراً رئيساً للمشاركة في الحرب الكورية». وكان الشعار يجب أن تستمرّ الثورة «التي تعطلت» في مسيرة الرئيس ماو الطويلة.
هل تخلت أميركا عن تايوان؟
في خطابه الذي ركَّز على الصين، والذي ألقاه في مكتبة ريتشارد نيكسون الرئاسية في شهر يوليو (تموز) عام 2020، ادَّعى وزير الخارجية مايك بومبيو أنّ الولايات المتحدة «همَّشت أصدقاءنا في تايوان» وشرعت في تبني «النموذج القديم للمشاركة العمياء» مع بكين.
أما الشيء المفقود في رواية بومبيو فيتمثل في حقيقة مفادها أنّ العالم كان يعيش في خضمّ حرب باردة في ذلك الوقت. وكان التهديد الرئيس للسلام العالمي يتمثل في التوسع السوفياتي حول العالم. ولم يكن الاتحاد السوفياتي يمارس ضغوطاً على أوروبا الغربية فحسب، بل كان الانقسام الصيني – السوفياتي أيضاً يثير مخاوف في الصين من أن تنتهي موسكو وبكين إلى الدخول في حالة حرب.
ومن الأمور التي جعلت الصين أكثر عرضة للخطر في ذلك الوقت حقيقة أنّ الحكومة الشرعية الوحيدة للصين كانت في تايبيه، مما أثار احتمال أن «يسيء أعداء الصين على طول حدودها الشمالية (السوفيات) والجنوبية (الهند) تفسير عدم الاعتراف باعتباره فرصة يمكن استغلالها»، كما كتب وزير الخارجية السابق هنري كيسنجر في كتابه «عن الصين».
ونتيجةً لذلك، قطعت الولايات المتحدة علاقاتها مع جمهورية الصين (تايوان) واعترفت رسمياً بحكومة جمهورية الصين الشعبية (PRC) في عام 1979. وذكر البيان المشترك بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية أنّ «هناك صين واحدة فقط وأنّ تايوان جزء من الصين». ومع ذلك، أقرّ الكونغرس أيضاً قانون العلاقات مع تايوان (TRA) في عام 1979، والذي تحافظ الولايات المتحدة بموجبه على العلاقات الثقافية والتجارية وغيرها من العلاقات غير الرسمية مع شعب تايوان، وتساعد الجزيرة على الاحتفاظ بقدرتها على مقاومة استخدام القوة أو الإكراه من جانب الصين ضدها.
وعلاوةً على ذلك، ألزم قانون العلاقات مع تايوان واشنطن بتزويد تايوان بالأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها. وفي حين أن قانون العلاقات مع تايوان لم يعلن صراحةً أنّ الولايات المتحدة ستحمي تايوان إذا تعرّضت للهجوم، إلا أنّ رفع السرية مؤخراً عن ما يسمّى بـ«الضمانات الستة» لعام 1982 المُقدّمة لتايوان أوضح التزام أميركا بأمن الجزيرة. وكان رفع السرية من جانب وزير الخارجية بومبيو على الأرجح تكتيكاً سياسياً لإثناء الصين عن أيّ تحركات عدوانية ضدّ تايوان كما حدث مؤخراً في هونغ كونغ.
ومن ثم، كانت الولايات المتحدة تقوم بعملية توازن حساسة للغاية. ولم يكن اعتراف الولايات المتحدة بالصين من أجل إثناء السوفيات عن مهاجمة الصين فحسب، بل كان أيضاً لإثناء الهند عن المضيّ قدُماً في صراعها الحدودي مع الصين. وفي الوقت نفسه، كانت واشنطن توازن تايوان ضدّ الصين. وكان على الولايات المتحدة أن تضمن عدم التخلي عن أيّ حليف في خضمّ هذا التوازن. وحتى لو لم تأتِ الولايات المتحدة على ذكر هذه الأمور، فإنّ الأدلة التاريخية تشير إلى هذا «الوضوح الاستراتيجي» طوال الوقت.
وأشار ستابلتون روي، السفير الأميركي السابق لدى الصين، إلى أنّ الهدف من مشاركة واشنطن مع بكين لم يكن أبداً يرتكز على «توقع ساذج بأن الصين كانت ستضطر إلى التحرر سياسياً». وكانت استراتيجية المشاركة الأميركية ذات شقين: الأول: تعزيز مكانتها في الحرب الباردة ضدّ الاتحاد السوفياتي. والثاني: تأمين مساعدة الصين لإنهاء حرب فيتنام. وبالنسبة لستابلتون روي، السفير المخضرم وعالم الصينيات، كانت رواية الاستراتيجية المحسوبة أكثر «واقعية تماماً» من رواية الحرب السياسية للوزير بومبيو عن «المشاركة العمياء».
تايوان… حاملة الطائرات غير القابلة للغرق
يستدرك كاتبا المقال قائلين: ومع ذلك، فإنّ المرحلة النهائية بالنسبة للصين تذهب إلى ما هو أبعد من تايوان، التي تقع على السلسلة الأولى من الأرخبيلات الكبرى التي تطلّ مباشرة على غرب المحيط الهادئ. وإذا نجحت الصين في الاستيلاء على تايوان، فسيسمح ذلك للصين باستخدام تايوان باعتبارها نقطة انطلاق لنشر قواتها في غرب المحيط الهادئ مباشرةً. وستتمكّن القوات البحرية والجوية التابعة لجيش التحرير الشعبي الصيني من تحدي القوات الأميركية على نحو مباشر أكثر وسيُدفع النفوذ الأميركي والغربي خارج آسيا.
وهذه الملاحظة ليست جديدة. فقد تصوّرتها الإمبراطورية اليابانية قبل الحرب العالمية الثانية من خلال سياسة «آسيا للآسيويين»، بالإضافة إلى صيغتهم الخاصة المتعلقة بـ«عقيدة مونرو اليابانية» و«مجال الازدهار المشترك الرحب لشرق آسيا الكبرى». وخلال الحرب، استخدمت طوكيو تايوان أيضاً «باعتبارها قاعدة للغزوات اليابانية لجنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ». وأدَّت النزعة القومية والتعصّب اللذان قاتلت بهما الإمبراطورية اليابانية لإخراج الولايات المتحدة من المحيط الهادئ إلى اثنتين من أكثر المعارك الجوية – البحرية ملحمية في تاريخ العالم: ونقصد بالمعركتين معركة بحر المرجان في جنوب غرب المحيط الهادئ، ومعركة ميدواي في غرب المحيط الهادئ في عام 1942.
ولم تنسَ الولايات المتحدة أهمية تايوان بالنسبة لمصالحها الأمنية في غرب المحيط الهادئ بعد الحرب العالمية الثانية عندما ذكَّر الجنرال دوغلاس ماك آرثر الكونغرس في عام 1951 بأنّ خسارة تايوان لن تهدّد الفلبين واليابان فحسب، بل «قد تجبر حدودنا الغربية على التراجع إلى سواحل كاليفورنيا وأوريجون وواشنطن «من سلسلة الجزر الثانية من أوكيناوا إلى جوام وجزيرة مانوس. وفي الواقع، أشار الجنرال ماك آرثر في وقت سابق إلى أنّ تايوان في أيدي «الشيوعيين» تعدّ بمثابة «ناقلة طائرات وغواصات غير قابلة للغرق».
ويذكر كاتبا المقال أنه خلال الحرب الباردة، واجهت الولايات المتحدة الاتحاد السوفياتي السابق، الذي حاول أيضاً إخراج أميركا من غرب المحيط الهادئ. وانتشرت القوات السوفياتية باستمرار في مناطق بعيدة في غرب المحيط الهادئ لحث أميركا واختبار وتحدي قدرتها في الدفاع عن مصالحها. وإذا نجحت الصين في إخراج الولايات المتحدة من آسيا، فستكون بكين قد حققت ما لم تتمكن أيّ دولة من تحقيقه في التاريخ. ومن خلال العبارة اليابانية الشهيرة «آسيا للآسيويين»، كرّر الرئيس الصيني شي أيضاً وجهة النظر صراحةً بأن مشاكل آسيا يجب أن يحلها الآسيويون.
الالتفات إلى تحذير صيني
وفي كتاب هنري كيسنجر «عن الصين»، سخر دينغ شياو بينغ من الولايات المتحدة بسبب أيّ من الاتفاقات التي أبرمتها واشنطن مع الاتحاد السوفياتي السابق، لأنّ تلك «التنازلات والاتفاقيات لم تسفر أبداً عن ضبط للنفس من جانب السوفيات». وفي تحذير صارخ لمستشار الأمن القومي آنذاك زبغنيو بريجنسكي في عهد الرئيس جيمي كارتر، قال دينغ: «لكي أكون صريحاً معك، كلما كنت على وشك إبرام اتفاقية مع الاتحاد السوفياتي، كان هذا نتاج تنازل من الجانب الأميركي لإرضاء الجانب السوفياتي».
ويختتم الكاتبان مقالهما بالتأكيد على أنّ نائب الرئيس آنذاك جو بايدن والرئيس باراك أوباما تنازلا على الأرجح لبكين عن المضيّ قدُماً في مبدأ مونرو الصيني الخاص بها، وسمحوا لبكين ببناء الجزر الاصطناعية والعسكرة المتزايدة لبحر الصين الجنوبي. ويحتاج الرئيس المنتخب بايدن الآن إلى إعادة النظر في التحذير الجادّ الذي وجهه دينغ إلى بريجنسكي.
ويضيف التقرير “إنّ تصرفات الصين على مدى السنوات القليلة الماضية دليل على أنّ عقود التسوية مع الصين سمحت لبكين الآن بتأكيد نفوذها في كلّ ركن من أركان العالم – والأهمّ من ذلك أنها سمحت للحزب الشيوعي الصيني بالتفكير بجدية في الوحدة مع تايوان بالقوة. وسيكون هذا تتويجاً للرئيس شي، لكنه سيكون على حساب تايوان الديمقراطية النابضة بالحياة بالإضافة إلى قيم الحرية الأميركية الدائمة.
ومثلما كان الحال قبل 60 عاماً، اضطلع الرئيس جون كينيدي بالرئاسة وبتحقيق رؤية أميركا في الشؤون العالمية في خضمّ التهديد الشيوعي. وأعلن كينيدي في خطاب تنصيبه «أننا سندفع أيّ ثمن، ونتحمّل أيّ عبء، ونواجه أيّ مشقة، وندعم أيّ صديق، ونعارض أيّ عدو لضمان بقاء الحرية ونجاحها». وتتوقع تايوان ومعظم الدول حول العالم من الرئيس جو بايدن، ما لا يقلّ عن هذا النوع من الحنكة السياسية الأميركية المتجدّدة «لجعل العالم أكثر أماناً للديمقراطية». ويجب أن يبدأ بتايوان، «قلب آسيا».