الحريري ليس مشروعاً لتشكيل حكومة جديدة!
د. وفيق إبراهيم
يعرف الرئيس المكلف سعد الحريري أن تشكيل حكومة في لبنان، لا يلتزم القواعد الدستورية والسياسية المعمول بها عالمياً بين قوى موالية تختار رئيس حكومة وتشكل حكومة جديدة، وقوى أخرى تعارضها.
بناء عليه، تنال الحكومة الجديدة ثقة المجلس النيابي من نواب القوى الموالية، فيما يحجب نواب المعارضة الثقة عنها.
هنا في لبنان يشعر المراقب وكأنه في بلاد العجائب والغرائب، بالإضافة الى الطائفية المؤكدة دستورياً والتي أصبحت مقبولة، اخترع السياسيون اللبنانيون معادلة عرفيّة تقوم على ضرورة التمثيل الحصري في الحكومة للقوى الأساسية في طوائفها، بزعم احترام الميثاقية الطوائفية الى ان يتبين ان هذه المعادلة ترعى بحنكة تشكيل حكومة توافقية لديها مهمة واحدة هي توزيع الحصص على القادة الأساسيين للطوائف بكل ما يتعلق بالموازنات والإنفاق والاستيراد والتصدير والعمولات وتغطية سرقة المساعدات الخارجية والديون.
كان ضرورياً الفوضى في هذه المطالعة، لربطها بعودة الحريري إلى القبول بتشكيل حكومة جديدة على هذه القاعدة المعمول بها.
فالحريري العائد بعد احتجاب بقرار إقليمي – دولي عن تشكيل الحكومات، إقدم على هذا الامر موآزراً بشكل مسبق من ثنائي امل وحزب الله. وهذا يعني انه اجتاز نصف مهمته في موضوع التشكيل، فلا عقبات اقليمية، ويستطيع جذب فرنجية والأرمن والخازن ومستقلين آخرين، ولا ينقصه إلا الرئيس ميشال عون وتياره الوطني الحر، وهذا لا يشكل عقدة في اطار معادلات التشكيل التي اصبحت تقليدية ومعمول بأساليبها بمعدل يفوق الـ95 في المئة على الاقل.
فتبقى تغييرات بمعدل وزير او اثنين يمررهما رئيس الحكومة الجديد خارج السياق المتعارف عليه او بالاتفاق مع رئيس الجمهورية صاحب التوقيع على مرسوم تشكيل الحكومة.
ما حدث حالياً، أن الشيخ سعد باغت الجميع بهجوم شرس على رئاسة الحكومة وتشكيلها، متمتعاً بشرطين جوهريين: تأييد الخارج وهو فرنسي مدعوم أميركياً وسعودياً، كما تفترض المعادلات التقليدية والقوى الأساسية في الداخل.
بدا واضحاً من حركة اتصالاته بالقوى السياسية أنه قابل لحلحلة معظم العقد المنبثقة من التشكيل حتى أن صيحات جنبلاط لباها السعد بسرعة متوصّلاً بشكل خفي لتفاهمات مع الرئيس نبيه بري – حزب الله والخازن والأرمن وفرنجية. وقال للجميع إنه يريد منهم تسمية مرشحين للحكومة من فئة مستقلين غير حزبيين، وكان يريد بهذا الطلب تلبية الإصرار الأميركي على منع توزير مناصرين او ملتزمين بحزب الله. هنا انكشف بسرعة الشرط الاميركي الاول للقبول بحكومة «السعد» الذي لا يريد ممثلين لحزب الله في الحكومة.
اما الشروط الأخرى فلم تنفضح إلا بعد عشرات اللقاءات التي جمعته بالرئيس ميشال عون في قصر بعبدا، حيث تبين ان الشيخ سعد يريد تسمية سبعة وزراء من الحصة المسيحية من اصل تسعة وزراء بما يبقي لعون الحق بتسمية هذين الوزيرين فقط.
وهذا غير مقبول على الإطلاق في المعادلات المتعاقبة لتشكيل الحكومات في لبنان.
كما انه يتناقض مع المفهوم العالمي لتشكيلها في البلدان التي تدّعي وصلاً بالمفهوم الديموقراطي.
فقوى الموالاة هي التي تنتقي رئيساً للحكومة وتتعاون معه على تسمية الوزراء منها حصراً مقابل معارضة لا تشارك وتعمل مراقباً شرساً على الأداء الحكومي.
فبدا السعد هنا، غير ملتزم بالمعادلة الحكوميّة الهجينة في لبنان، ولا يريد الاقتراب من المفهوم العالمي المعمول به.
هنا بالإمكان التأكيد أن سعد الحريري يعرف مسبقاً أن التيار الوطني الحر ومعه الرئيس عون لن يقبلا بإصرار الحريري على تسمية الوزراء المسيحيين.
ويعرف أيضاً أن إرجاء مناقشة الاسماء مع ثنائي امل – حزب الله لا يعني أن الامور ماضية برعاية تلقائية، بما يؤكد ان سبب هذا الإرجاء فني، فإذا قبل التيار بشروط سعد يعمل هذا الأخير على اختراع إشكالات على الاسماء مع الثنائي الشيعي، او مع تحالفاتهما.
هنا يتضح ان مشروع سعد هو جزء من الهراوة الأميركية التي تضع لبنان بين حكومة لا وجود لحزب الله فيها، ولا تحتوي على مناصرين للتيار الوطني الحر، فيصبح باستطاعة هذه الحكومة الافتراضية إصدار قرارات مناوئة للأدوار الحدودية والخارجية لحزب الله انما بطرق مواربة، ومن نماذجها نشر قوات من الجيش والأمن في النقاط الاساسية من الحدود السورية، بزعم مكافحة التهريب، مع مناشدتها للأمم المتحدة بضبط الامن عند حدود لبنان مع فلسطين المحتلة عبر إرسال ألوية جديدة، فيتبين اخيراً انها محاولة لإلغاء الدور الجهادي للحزب في مواجهة الكيان الإسرائيلي.
هذا جزء من مشروع الحريري والذي لا يقبل به فعليه البقاء من دون حكومة مع استمرار سعد الحريري بالاستيلاء على موقع رئيس مكلف حتى الوصول الى الفوضى الاميركية، فهل تحدث تغييرات على هذا المشروع بعد فشل الرئيس الاميركي ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟
التغيير لن يحصل إلا بعد نجاح الرئيس المقبل بايدن بفتح حوارات إقليمية جديدة من شأنها الانعكاس على الوضع في لبنان بواحد من خيارين: فشل هذه التفاهمات المرتقبة. وهذا يعني المزيد من التشدد الأميركي أو نجاحها بإرساء هدنة بما يدفع الى انفراجات في لبنان.