متى الاستقلال الحقيقي؟
} محمد قاسم
كم هو مؤلم ومؤسف أن تاتي الذكرى الـ 77 للاستقلال ولم يتحقق حتى تاريخه أبسط مقوّمات الاستقلال السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنمائي الذي كان ولا يزال يتطلع اليه اللبنانيون ليشعرهم باستقلالهم الحقيقي وليس باستذكار مناسبة تقليدية واحتفالية تمرّ علينا في الثاني والعشرين من تشرين الثاني من كلّ عام.
فكلما زاد تعداد السنوات للاستقلال، يزداد معها تكريس الطائفية والمذهبية والمحاصصة السياسية والفساد وتدمير القيَم والبنى الاجتماعية والاخلاقية وتتزايد هيمنة الزعماء الطائفيين والمذهبيين وأصحاب الرساميل الذين أورثهم الانتداب مواقعهم وحصصهم، وبدورهم أورثوها إلى ذريّتهم وأتباعهم الذين أجهضوا وأفرغوا عاماً بعد عام كافة محاولات التطوير والتحديث وتفعيل وتحديث المؤسسات الرسمية وكافة منطلقات الإصلاح السياسي والإداري والتربوي والديقراطي التي شهدتها البلاد خلال تلك الفترة…
لقد بات أركان هذا النظام يمارسون أدوارهم القديمة الجديدة بلباس وأنماط وأساليب أكثر وحشية وتدميرية باستباحة مباشرة ومكشوفة لحقوق اللبنانيين وموارد رزقهم وأموالهم ومقدرات حياتهم كافة حتى أوصلوا أكثر من نصف الشعب اللبناني إلى ما دون خط الفقر، وحوّلوا النصف الآخر الى متسوّلين على أبواب المصارف والسفارات، باستثناء قلة قليلة لا تتعدّى 1% تشكل الزعامات والقيادات وأصحاب رأس المال ومجالس إدارة المصارف الذين نهبوا وجففوا وتقاسموا موارد الدولة وراكموا ثرواتهم ورأسمالهم وهرّبوها الى الخارج.
وهم أنفسهم الذين أطاحوا بمفهوم الاستقلال ومواد الدستور والقوانين ومنعوا قيام الدولة المدنية الديمقراطية متمسّكين بالنظام الطائفي والمذهبي بأنيابهم وأظافرهم، وفصّلوا قوانين الانتخابات النيابية والبلدية على قياس مصالحهم، وكرّسوا النظام الريعي البغيض على حساب النظام الإنتاجي، ودجّنوا القضاء لخدمتهم ومنافعهم ومنعوا قيام السلطة القضائية المستقلة وصولاً الى عدم توقيع التشكيلات القضائية.
كما أوصلوا مؤسسات الدولة الى أسوأ حالات الاهتراء والتدمير ما أدّى الى أكبر انفجار غير نووي مدمّر في العالم أودى بحياة أكثر من 200 شهيد وسبعة آلاف جريح وتشريد مئات الآلاف من منازلهم وتدمير ثلث العاصمة دون ان يرفّ لمسؤول جفن، ودون ان يحاسب ايّ مسؤول، وهم كثر… بدءاً من أعلى الهرم والوزراء المتعاقبين وصولاً للمسؤولين من كافة الإدارات الرسمية والأمنية والقضائية، ودون ان يتوصل التحقيق حتى الآن الى معرفة المسبّبين والمسؤولين.
كما يأتي طعن الاستقلال مجدّداً خلال اليومين الماضيين بانسحاب شركة التدقيق الجنائي التي وقعت العقد مع السلطة السياسية عينها في لبنان، عندما استشعر حاكم المصرف المركزي ومجلس إدارته وأركان السلطة وناهبو الأموال العامة وأصحاب الصفقات والمصارف ومهرّبو الأموال انّ حقيقتهم وأسرار نهبهم وصفقاتهم ومصادر ثرواتهم ستنكشف أمام اللبنانيين والعالم، وستضعهم مباشرة أمام غضب شعبهم وانتقامه.
هذا غيض من فيض مما ادّى الى نحر الاستقلال الحقيقي وفقدان الشعور الوطني بأهدافه الوطنية الاستقلالية المرتجاة.
استقلالنا الحقيقي ستحققه أقلام وسواعد وحناجر مئات الآلاف من الثوار والوطنيين والأحرار والشرفاء وفي مقدّمهم المناضلين الذين نزلوا الى الساحات في كافة أرجاء الوطن، رافعين شعارات 17 تشرين الأول 2019 وما زالوا متمسكين ومصرّين على تحقيقها رغم الظروف الصعبة والمعقدة التي يواجهونها وصولاً الى قيام الدولة المدنية الديمقراطية العادلة وتشكيل حكومة الإنقاذ الوطني التي تتبنّى مطالب الشعب وفي مقدّمها قانون انتخابات نيابية عادل وفق المواد 22 و 95 من الدستور وإلغاء الطائفية السياسية وتشكيل مجلس الشيوخ وإقرار استقلالية كاملة للسلطة القضائية واستعادة الأموال المهرّبة والمنهوبة وكشف ومنع كافة مزاريب الهدر والفساد والصفقات والمحاصصات والسمسرات وتوفير فرص العمل وبناء الاقتصاد المنتج بدل الاقتصاد الريعي وقيام دولة الرعاية الاجتماعية وتعزيز التعليم الرسمي والجامعة الوطنية والضمان الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة والمتوازنة ومكافحة الفقر والبطالة وتأمين حقوق أصحاب الاحتياجات الخاصة وإعادة إعمار ما هدمه انفجار المرفأ لإعادة المتضرّرين والمهجّرين إلى منازلهم الأصلية وإقرار قانون اختياري للأحوال الشخصية ومنع وتجريم السلاح المتفلت وضمان استقلالية القرار الوطني من ايّ تبعية وتحرير كامل التراب الوطني ومصادر الطاقة والنفط من الاحتلال «الإسرائيلي»، ورفع الأيدي عن المؤسّسات والاتحادات النقابية، وتوفير مقوّمات الحياة العامة والممارسة الديمقراطية والحيات العامة التي تعتبر الركن الاساس من اركان الاستقلال.
الى الاستقلال الحقيقي الذي نناضل من أجله، وكلّ عام وأنتم بخير.