أولى

لا حلّ في لبنان بوجود المافيا…

 القنصل خالد الداعوق*

 

لبنان بحاجة إلى كلّ شيء، نعم لا مبالغة في هذا القول، كلّ شيء بدءاً من المأكل والملبس والدواء والاستشفاء والطبابة، إلى الماء والكهرباء والاتصالاتوصولاً إلى الفيول والمحروقات، مروراً بما يجب أن يتوفر لقطاعات الإنتاج كي تنطلق الصناعة والزراعة والسياحة والخدمات.

كلّ هذه الحاجات ليست وليدة اليوم بالطبع، بل هي من نتائج السياسات الخاطئة (وربما نقول المجرمة) التي اتّبعت منذ مطلع تسعينيّات القرن الماضي، أيّ بعد انتهاء الحرب الداخليّة بتسوية أقرّت في الطائف ولم تُنفّذ منها إلا بنود قليلة.

ورغم هذا الوضع المزري الذي وصلنا إليه، يأتيك مَن يقول بأنّ لبنان شهد نهوضاً اقتصادياً في تلك الفترة، وانطلقت عجلة الإنماء والإعمار وأتت الاستثمارات وتحقّق النمو…! إلى آخر معزوفة البروباغندا الإعلاميّة الخاوية والفارغة من أيّ مضمون

حبّذا لو كان الأمر كذلك، لكن الحقيقة المرة هي أنّ هناك مافيا سياسية مالية اقتصادية مصرفيّة حكمت البلد في مرحلة ما بعد الحرب، ووضعت ما يناسبها من سياسات وتشريعات، بما فيها قوانين الانتخاب، وحين لم تكن تلك السياسات والتشريعات تخدم مصالح المافيا كانت تخالفها «على عينك يا تاجر» من دون حساب ولا مَن يحاسبون!

وروّجت المافيا عبر وسائل الإعلام المختلفة التي سيطرت عليها وتقاسمتها في ما بينها، أنّ مسيرة الإنماء والإعمار قد انطلقتوأنّ لبنان سيعود أفضل مما كان، فصدّق الناس وصرفوا ما في الجيب على أمل أن يأتي ما في الغيب، لكنهم اكتشفوا متأخّرين أنهم يعيشون مجرّد أوهام مبنية على أوهام، بينما ثرواتهم ومدّخراتهم وودائعهم تبخّرت وأصبحت في خبر كان.

بالأمسفي كلمته بمناسبة الاستقلال، وضع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إصبعه على الجرح، وتحدّث ببعض التفصيل عن مكامن الخلل، وعما يجب فعله لكي نتمكّن من بناء دولة فاعلة وقادرة على إعلاء منطق القانون فوق الجميع وتطبيقه على الكبير قبل الصغير، حيث نرى مثلاً أنّ السجون مكتظة بشكل يفوق الوصف، ولكن ليس بين المساجين أيّ أحد من الذين يعرفهم الناس واحداً واحداً بالوجوه والأسماء ويعرفون أنهم أعضاء المافيا نفسها، بل بعضهم من كبار المسؤولين فيها.

ويكاد لا يخلو قطاع أو مرفق من امتدادات هذه المافيا المتمدّدة كالأخطبوط في كلّ مفاصل البلد السياسية والاقتصادية والمصرفية والقضائية والأمنية إلخ

لذلك تصطدم مساعي الإصلاح بمعوقات وعراقيل لا تعدّ ولا تحصى، وآخرها ما حصل في موضوع التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، وكيف أنّ شركة «ألفاريز ومارسال» انسحبت بعدما اكتشفت أنها لن تتمكّن من القيام بعملها لأنّ من ستتولى الشركة التدقيق في حساباتهم أقوى من القوانين والمؤسّسات ويستطيعون مخالفة قرارات مجلس الوزراء الإلزاميّة، وهم ثابتون في مناصبهم لا يتزحزحون، لأنّ المافيا تدعمهم أو لأنهم جزء منها، وربما هم في قيادتها أيضاً، بينما الذين يريدون المساءلة والمحاسبة بالفعل لا يستطيعون فرضها، حتى ولو بقوّة القانون، لأنّ قوى الأمر الواقع أقوى من القانون.

حتى الحكومة التي قيل إنها ستكون من غير السياسيين لا تستطيع أن ترى النور إلا برضى القوى السياسية خاصة أنّ رئيسها المكلف هو سياسي بامتياز، والمشكلة ليست في ما إذا كانت الحكومة سياسية أو غير سياسية، لكن أياً يكن شكل الحكومة فإنّ السؤال يبقى هو هو: هل بإمكانها تغيير واقع الحال وتحقيق الإصلاحات المطلوبة والمعروفة، سواء وردت في المبادرة الفرنسية أو لم ترد؟

ولأننا نفضّل التفاؤل دائماً نقول إنّ الأمل يبقى موجوداً، لأنّ في لبنان إمكانات وقدرات وموارد إذا جرى توظيفها بالشكل المناسب من شأنها أن توفر عوامل الإنقاذ والنهوض، ولكن كلّ هذا شرطه الأوّل والوحيد هو التخلّص من المافيا وكشف كلّ امتداداتها في دهاليز ومغاور الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، لأنّ الإصلاح لا يمكن أن يحصل من دون معرفة كلّ الحقائق، تماماً كالمريض الذي لا يمكن علاجه إلا إذا تمّ الكشف عليه من الأطبّاء المختصّين حتى يتمّ تشخيص العلة بشكل دقيق وعلمي ثم وصف الدواء الناجع والشافي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*أمين عام منبر الوحدة الوطنيّة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى