الاعتراف بجمهورية ناغورني قره باغ في باريس وإدانة تركيّة وأذربيجان تطالب بإقصاء فرنسا من المفاوضات
دانت تركيا أمس، نصاً صوّت عليه مجلس الشيوخ الفرنسي أول أمس، يطالب بـ»الاعتراف بجمهورية ناغورني قره باغ» المنطقة الانفصاليّة في أذربيجان التي يشكل الأرمن غالبية سكانها وشهدت نزاعاً دامياً في الخريف الحالي.
وأعلنت وزارة الخارجية التركية في بيان أن «القرار الذي صوّت عليه مجلس الشيوخ الفرنسي مثال على الازدراء بمبادئ القانون الدولي (…) لاعتبارات تتعلق بالسياسة الداخلية».
ووجّه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار انتقادات شديدة اللهجة إلى باريس، على خلفية تبني مجلس الشيوخ الفرنسي مشروع قرار يوصي الحكومة بالاعتراف باستقلال جمهورية قره باغ المعلنة ذاتياً.
وقال أكار، في تصريحات أدلى بها أمس، تعليقاً على القرار المذكور: «أثبتت فرنسا مرة أخرى أنها جزء من المشكلة وليس الحل في قره باغ».
ولفت الوزير إلى أنه «يتعين على فرنسا بصفتها الرئيس المشارك في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أن تلتزم الحياد»، مضيفاً: «لكنها لا تفعل ذلك.. قرار مجلس الشيوخ الفرنسي يمثل مؤشراً واضحاً يسلط الضوء على أسباب عدم إحراز تقدم في تسوية نزاع قره باغ تحت إشراف مجموعة مينسك على مدى ثلاثة عقود».
كما تطرّق وزير الدفاع في المقابلة إلى مواضيع أخرى، منها حادث تفتيش سفينة تركية ضمن عملية «إيريني» في البحر المتوسط التي أطلقها الاتحاد الأوروبي بهدف الرقابة على تطبيق حظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
وندد أكار بالتصريحات الغربية حول الحادث، مضيفاً: «يحاولون إلقاء اللوم على بعضهم البعض لأنهم يعلمون أن هناك وضعاً مخالفاً للقوانين».
واتهم الوزير المسؤولين الغربيين بـ»محاولة تشويه الحقائق»، مشدداً على أن «فرنسا خاصة تحاول تبرير تصرفات سفنها في المتوسط من خلال الربط بين عملية (إيريني) وعمليات حلف الناتو في المتوسط، ولا تقبل أنقرة بهذا النهج».
كما علق الوزير على توقيع الإمارات اتفاقية تتيح لها تشغيل مطار في أفغانستان، مشيراً إلى «ضرورة مراجعتها من منظور قانوني وتشغيلي».
وفي قراره قال مجلس الشيوخ الفرنسي إنّه «يدين العدوان العسكري الأذربيجاني الذي نفّذ بدعم من السلطات التركية ومرتزقة أجانب، ويدعو إلى الانسحاب الفوري للقوات المسلّحة الأذربيجانية من الأراضي التي خسر الأرمن السيطرة عليها منذ 27 أيلول في منطقة ناغورني قره باغ».
كما يحضّ القرار الحكومة إلى «السعي من أجل تأمين فوري لحماية السكان من خلال نشر قوة فصل دولية وتقديم مساعدات إنسانية ضخمة إلى السكان المدنيين».
وفي قراره يدعو مجلس الشيوخ أيضاً الحكومة الفرنسية إلى «طلب إجراء تحقيق دولي في جرائم الحرب التي ارتكبت في ناغورني قره باغ واستخلاص جميع النتائج الدبلوماسية للدور الذي لعبته السلطات التركية في النزاع».
ورفضت تركيا هذه الاتهامات ووصفتها بأنها «ادعاءات لا أساس لها».
ورأت أنقرة أن «دعوة مجلس الشيوخ لأذربيجان الانسحاب من الأراضي التي احتلتها سخيفة ومنحازة ولا تمت للواقع بصلة».
وبعدما اعتبرت أن «تصويت مجلس الشيوخ غير الملزم يعكس الهاجس التركي لفرنسا»، أكدت الوزارة التركية أن «أنقرة مستعدة للعمل مع باريس لتسوية دائمة للنزاع».
ومن جهته دعا برلمان أذربيجان أمس، إلى «إقصاء فرنسا من مجموعة مينسك المكلفة القيام بوساطة بشأن النزاع في ناغورني قره باغ، بعد تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على نص يطالب بالاعتراف بالاقليم الانفصالي».
وأوصى نواب أذربيجان في قرارهم الحكومة بـ»مطالبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بطرد فرنسا من الرئاسة المشتركة لمجموعة مينسك».
كما حضوا الحكومة على «مراجعة العلاقات السياسية (…) والاقتصادية بين باكو وباريس».
ومجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والتي تأسست في التسعينيات بعد أول حرب بين أرمينيا وأذربيجان، مكلفة القيام بوساطة سعياً لإيجاد حل لمسألة ناغورني قره باغ، الجمهورية المعلنة من طرف واحد والتي تسكنها غالبية من الأرمن. وتتولى فرنسا والولايات المتحدة وروسيا رئاسة مجموعة مينسك.
وصدر قرار برلمان أذربيجان غداة تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي على قرار غير ملزم يدعو الحكومة للاعتراف بجمهورية ناغورني قره باغ.
وأعلن مجلس الشيوخ كذلك في قراره أنه «يدين العدوان العسكري الأذربيجاني الذي نفّذ بدعم من السلطات التركية ومرتزقة أجانب، ويدعو إلى الانسحاب الفوري» للقوات المسلّحة الأذربيجانية من الأراضي التي خسر الأرمن السيطرة عليها منذ 27 أيلول في منطقة ناغورني قره باغ.
أعلن الإقليم استقلاله عن أذربيجان قبل حوالى ثلاثين عاماً غير أنه لم يحصل على اعتراف أي دولة ولا حتى أرمينيا التي تدعمه.
وبعد حرب أولى استمرت من 1988 إلى 1994، شهدت المنطقة مؤخراً معارك دامية استمرت ستة أسابيع وأوقعت أكثر من أربعة آلاف قتيل، وحقّقت فيها باكو انتصارات ميدانية كبيرة على حساب يريفان.
وتم التوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال القتالية في 9 تشرين الثاني برعاية الكرملين كرّس انتصار أذربيجان، إذ تعهدت أرمينيا بموجبها بإعادة مناطق عدة خرجت عن سيطرة باكو منذ ثلاثين عاماً، لكنه سمح بالحفاظ على إقليم قره باغ رغم تقليص مساحته، ونصّ على نشر ألفي جندي روسي لحفظ السلام.
وجاء تصويت مجلس الشيوخ وسط توتر دبلوماسي بين فرنسا وتركيا خصوصاً بسبب خلافات حول سورية وليبيا وشرق المتوسط.
وزاد التوتر في نهاية تشرين الأول عندما دعا الرئيس رجب طيب أردوغان الى مقاطعة المنتجات الفرنسية متهماً نظيره الفرنسي بأنه «يكره الإسلام للدفاع عن الحق في نشر رسوم كاريكاتورية للنبي محمد في اطار حرية التعبير ولخطابه عن الإسلام المتطرف».
وأعلن ناغورني قره باغ استقلاله قبل 30 عاماً من دون أن تعترف به الأسرة الدولية.
وبعد معارك ضارية استمرت ستة أسابيع بدأت في 27 أيلول وقع اتفاق لوقف اطلاق النار في 9 تشرين الثاني برعاية الكرملين عندما كان الوضع العسكري كارثياً لأرمينيا.
ووفقاً لشروط الاتفاق الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من الحالي تعهدت أرمينيا بإعادة مناطق أذربيجانية تفلت من سيطرة باكو منذ 30 عاماً.