لا يلزمنا أبداً..
الديماغوجي هو الشخص الذي يسعى لاجتذاب الناس إلى جانبه عن طريق الوعود والتملق وتشويه الحقائق ويؤكد كلامه مستنداً إلى شتى فنون الكلام وضروبه وكذلك الأحداث، ولكنه لا يلجأ إلى البرهان أو الدليل البرهاني لأن الدليل البرهاني يبعث على التفكير ويوقظ الحذر، والكلام الديماغوجيّ يعتمد على جهل سامعيه وسذاجتهم واللعب على عواطفهم.
لقد تفشت العديد من الظواهر السلبية والأوبئة الاجتماعية الخطيرة في المجتمع، ومن بينها ظاهرة النفاق الاجتماعيّ. هذه الحالة من التناقض بين معتقدات المرء ومشاعره المعلنة، حيث تعتبر المصالح الشخصية هي السبب الأكثر وضوحاً للنفاق، حيث بدا أن العلاقات الاجتماعية والقبول أكثر أهمية للناس من الكشف عن آرائهم.
وبالعموم الرأي السائد هو أن النفاق فشل أخلاقي حيث الأكثرية بدت تثق بالمظاهر وتهمل الجوهر.
يتفق الكثيرون على أننا كمجتمع ندّعي بأننا نقدر الصدق، ولكن ما يحدث في مجتمعنا هو أمر مؤلم ومحزن ومقلق حقاً، الأكثرية تنجذب إلى أي مادة لامعة أما النزاهة أضحت عملة نادرة والنفاق هو العلامة التجارية الاجتماعية الأولى، عند رؤية الشخص يقال كلام وفي غيابه يعكس هذا الكلام سواء من المتلقي أم القائل نفسه وتزداد هذه الظاهرة مع تسلم المناصب الجديدة. فالكل يهنئ ويبارك، وفي الخفاء تحاك المؤامرات وتنسج قصص أقرب منها إلى ضرب الخيال، وإذا سأل أحدنا لماذا هذا التصرف فسيكون الجواب كما قيل في نوادر جحا (أربط الحمار وين ما بدو صاحبه). لقد ترسّخت هذه المقولة كمثل تحذيري من عدم التصرف في الشيء إلا برأي صاحبه لأنه أسلم للعواقب والتداعيات. والكثر يستخدم مثل هذا الكلام لقطع أي نقاش أو رأي أو اجتهاد.
ترى ألم يحِن الوقت لنستيقظ من هذا الكابوس؟ ألم يحِن الوقت للتخلّي عن كثير من الأمراض المجتمعيّة التي أهلكت السلف والخلف معاً؟ هذه الأمراض وسعت الفجوة بين طبقات المجتمع بل وحوّلتها إلى خندق، فلم نعُد نقدّر الآخرين على ما هم عليه، أصبحت النظرة ضحلة للغاية، وأصبح من السهل تبرير العديد من الرغبات التي لم تتحقق بأخبار الأكثرية أنه ببساطة لا نستطيع القيام بأي فعل جديد.
التفكير العقلاني غيّب من المجتمعات ومقولة (أنا افكر إذا أنا موجود) دفنوها مع كان وأخواتها.
حري بكل امرئ أن يعرف قدر الآخر ويبحث عن الجوهر مع الابتعاد عن درجات سلم النفاق الاجتماعيّ التي إن بقيت هكذا ستحول هذه الواقع إلى جحيم يستمر لآلاف السنين..
صباح برجس العلي