مطالعة قانونية… هل تعرّضت شركة التدقيق للتهديد والترغيب ومن هي الجهة أو الجهات التي عرقلت التدقيق الجنائي؟
} د. قاسم حدرج*
لم تعد المساحة التي يشغلها صنوبر بيروت كافية لنشر عناوين فسادنا الذي ذاع صيته في العالم حتى بتنا نحتلّ المرتبة 138 من اصل 180 دولة، ما حدا بالأمين العام للأمم المتحدة مناشدة المعنيين في لبنان وضع حدّ لهذا الفساد المستشري داعياً الى تشكيل حكومة بأسرع وقت.
ولعلّ فضيحة «التدقيق الجنائي» وما تسبّبت به من فجور وعهر كان إعلان انسحاب شركة «ألفاريز أند مارسال» من العقد الموقع بينها وبين الدولة اللبنانية المتعلق بالتدقيق الجنائي بحسابات مصرف لبنان، صدمة للشارع اللبناني، حيث كان قد تمّ التوصل الى اتفاق يقضي بإعطاء المصرف مهلة ثلاثة أشهر لتقديم المستندات المطلوبة الأمر الذي أثار عاصفة من التساؤلات حول الدافع الخفي وراء قرار كهذا، واعتبرت الشركة أنها لو انتظرت هذه المدة فإنّ المصرف المركزي لن يسلم المستندات المطلوبة في خلال ثلاثة أشهر مما يعزز الاعتقاد انّ وراء القرار دوافع سياسية ولكن ما يهمّنا كلبنانيين هو معرفة الحقيقة في السجال الدائر بين الأطراف المعنية حيث يحمّل البعض المسؤولية لوزير المالية الذي ضمّن العقد ثغرات قانونية استطاع حاكم مصرف لبنان النفاذ من خلالها وعلى رأسها بند خضوع العقد للقوانين اللبنانية المرعية الإجراء فتمسّك الحاكم بقانون السرية المصرفية وعدة مواد من قانون النقد والتسليف التي تحظّر على الموظفين الإدلاء بأية معلومات حول حسابات المصرف او الزبائن مما خلق نقاشاً قانونياً حول مدى قانونية هذا الأمر من عدمه، وقد جاءت استشارة هيئة الإدارة والتشريع في وزارة العدل لصالح الرأي الذي تبنّته وزيرة العدل بأنّ السرية المصرفية لا تنطبق على الدولة اللبنانية صاحبة الحق بطلب رفع السرية عن حساباتها، أما في ما يتعلق بالحسابات الشخصية فبالإمكان إخفاء الأسماء وتحويل الحسابات الى أرقام كودية ـ (مجرد ارقام) ـ وبما انّ استشارة الهيئة غير ملزمة فإنّ الحاكم تمسك بموقفه ثم أبدى بعض المرونة ولكنه طلب مهلة زمنية غير مبرّرة، ولكن المفاجأة تمثلت في موقف الجهة التي طالبت بالتدقيق الجنائي بأن ركزت هجومها على أخطاء العقد وأعلنت أنها بصدد تقديم مشروع قانون لتعديل قانون السرية المصرفية مما أثار حفيظة وزيرة العدل وشكل غطاء للحاكم.
ما يهمّ اللبنانيين هو معرفة أين الحقيقة في هذا الموضوع وكيف أنّ كلّ الأحزاب والقوى السياسية أعلنت دعمها ورغبتها في التدقيق الجنائي، إلا أنّ هذا التدقيق سقط بسبب الهفوات والأخطاء سواء كانت عن قصد أو غير قصد، وهل أنّ هناك من أراد عرقلة التدقيق الجنائي بذرائع قانونية وهنا بيت القصيد؟
نحن نؤيد الرأي الذي يقول بأنّ السلطة اللبنانية قفزت مرات عديدة فوق القانون والدستور والأعراف بحجة الضرورة الملحة واآخرها اعتماد موازنة العام 2018-2019 دون قطع حساب وخارج المهلة خلافاً للنص الدستوري كما ابتدعت ما يُسمّى بتشريع الضرورة خارج الدورة العادية للمجلس كما أجيز للحكومة الصرف من خارج الموازنة على قاعدة الاثني عشرية، وكذلك ما اصطلح على تسميته بالمراسيم الجوالة، هذا في ما يتعلق بالسلطة فماذا عن مخالفات حاكم مصرف لبنان التي لا تعدّ ولا تحصى والمتمثلة بعشرات التعاميم التي تتعارض مع قانون النقد والتسليف كطباعة تريليونات الليرات بالمخالفة للمادة 50 وما يليها من السكوت على حجز أموال المودعين وأصحاب الحسابات الجارية لدى المصارف مع عدم وجود قانون الكابيتال كونترول، المضاربة الغير مشروعة بالدولار الأميركي وضرب العملة الوطنية وهو أمر ثبت بقرار قضائي. رفع السرية المصرفية ولو بشكل غير معلن عن حسابات مصارف وأشخاص لمصلحة وزارة الخزانة الأميركية جعلتهم عرضة لتوقيع العقوبات وخلق منصات مالية وأسواق موازية لسعر الصرف الرسمي للدولار مما شكل حالة إرباك اقتصادي من خلال بدعة غير مسبوقة عالمياً.
هذا إذا ما سلّمنا جدلاً بأنّ ما قام به سلامة هو تطبيق للقانون بينما الحقيقة أننا نؤيد رأي وزيرة العدل ورأي هيئة التشريع من أنه لا سرية على حسابات الدولة بمعرض تدقيق جنائي، خاصة أنّ الأمر يتعلق بمصلحة وطنية عليا وأنّ هذا الأمر تحوّل الى شرط دولي لتقديم المساعدات للبنان سواء عبر صندوق النقد او الجهات المانحة، هذا عدا عن انّ الحاكم قد مارس سياسة السرية المصرفية على أصحاب الحسابات الذين لم يعد باستطاعتهم معرفة مصير حساباتهم او قيمتها الفعلية حيث قام ايضاً بإجراء عملية HAIRCUT خارج الإطار القانوني بحيث اقتطع أكثر من خمسين بالمئة من قيمة المبالغ دون موافقة أصحاب الحسابات.
ولا يتسع المجال هنا لتعداد حجم المخالفات الجوهرية التي ارتكبها الحاكم خلافاً لقانون النقد والتسليف. وسننتظر لتكشف لنا الأيام عن الجهة او الجهات التي عرقلت التدقيق الجنائي والتي ضغطت لأجل ان تتخذ الشركة قرار الانسحاب، وهل كانت الوسيلة المتبعة عادة، هي الترهيب ام الترعيب او الاثنين معاً؟
*أمين الشؤون القانونية في اللقاء الإسلامي الوحدوي