ماهر الأخرس أفصح العرب نطقاً
مع خروج السير ماهر الأخرس من سجنه الى الحرية بعد إضراب متواصل عن الطعام خلال مئة وثلاثة أيام تسجل نضالات الشعب الفلسطيني وحركته الأسيرة ملحمة بطولية جديدة، لكن الأهم من هذا هو الدروس التي تقولها التجربة التي جرت في ظروف أقل ما يُقال فيها هو أنها الأشد سوءاً في تاريخ القضية الفلسطينية، حيث أسوأ الإدارات الأميركية وأكثرها تطابقاً مع قيادة كيان الاحتلال تغطي كل جرائم المحتل بلا تمييز، وحيث العرب الذين كانت حكوماتهم تحتفظ بحدود ماء الوجه في تعاملها مع القضية الفلسطينية دخلت حكوماتهم مرحلة المجاهرة بالتنصل من القضية الفلسطينية وقرّرت الذهاب للتطبيع مع كيان الاحتلال.
على المستوى الفلسطينيّ ليست المواقف الاستعراضيّة التي ظهرت عن بعض رموز السلطة كافية لخداع مَن يتابع الموقف الفعلي للسلطة الذي كان منهمكاً في ترتيبات عودة التنسيق ومن ضمنها التلاعب بقضية ماهر الأخرس والسعي لمنع تحوّلها إلى قضية رأي عام فلسطيني وعربي ودولي، حيث غاب أية مراسلات جدية لإثارة القضية من كل المنابر الفاعلة التي يمكن للسلطة مخاطبتها عربياً ودولياً.
نجاح ماهر الأخرس بانتزاع حريته يقول لنا أشياء كثيرة، أهمها أن القضية الفلسطينية لا تزال قضية حيّة عربياً وعالمياً، وأن كل فظاظة الكيان والإدارة الأميركية وكل التخاذل العربي والفلسطيني لم يثبتا في هذا الامتحان أنهما كافيان للتفوّق على الأمعاء الخاوية لماهر الأخرس، وأن مستوى التحرّك الذي تقوم به الحركة الأسيرة وبعض الحركات الشعبية والمدنية المنتمية لحركة فلسطيني الأراضي المحتلة العام 48 كان كافياً لتحويل القضية إلى قضية رأي عام داخلية وخارجية.
الأهم هو أن المواجهة لم تكن مع شكل من الانتفاضة أو المقاومة يحتاج تنظيماً وحشوداً أو مقدرات وإمكانات، بل هي مواجهة باللحم العاري لأشد أشكال المواجهة بساطة، وهي الإرادة من جهة، والتضحية المفتوحة بلا سقف بالحياة من جهة موازية، لمواطن فلسطيني أتاحت ظروف اشتباكه مع الاحتلال كأسير أن يفتح النار بطريقة مبدعة لجأ إليها الأسرى الفلسطينيّون.
في زمن خرس فيه العرب ظهر ماهر الأخرس أفصح العرب نطقاً.