المحامي سماح مهدي*
قد يستغرب بعض المواطنين أو حتى الرفقاء عندما استأذنهم في إنهاء حوار أو نقاش حول مسألة معينة، لأنني أحتاج بعض الوقت للتحضير لحلقة إذاعيّة أو صف إذاعيّ اقترب وقت أيّ منهما.
فالسؤال البديهيّ الذي يُطرح بصيغ متعددة «هل لا زلت حتى اليوم تراجع أوراقك قبل تأدية مهمة كهذه باتت بالنسبة إليك شأناً عادياً؟».
الجواب على الرغم من بساطته، إلا أنه يحمل بين ثناياه بعداً عقائدياً عميقاً عمق فعل النهضة السورية القومية الاجتماعية في نفس وروح وعقل ووجدان كلّ سوري قومي اجتماعي.
نعم ، في كلّ مرة أقرأ محاضرة أو مقالاً أو خطبة أو كتاباً لمؤسس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطون سعاده أجد نفسي أمام شيء جديد وكأنني لم أقرأه من قبل، أو لم يقع عليه نظري في مرة سابقة.
بالأمس، وعندما نشرت صورة الأسير المحرر ماهر الأخرس وقد خرج من أسره منتصراً بعد أن انتزع حريته من قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، لم أسمع إلا صوت سعاده وهو يلقي خطابه الشهير في اللاذقية بتاريخ 26/11/1948 إذ قال:
«اخترنا أن نقاتل بآلامنا، حين رأينا أنّ الضرورة تقضي بأن نحارب بآلامنا، ولكننا لم نختر الآلام عن جبن بل عن شجاعة وجرأة وقوة. وإذا كنا قد اخترنا الحرب بالآلام مرة فلا يعني ذلك أننا سنبقى على الحرب بالآلام بل نحن نستطيع أن نحارب بغير الآلام. ولكن حربنا لها غاية واحدة هي عزّ الأمة ووحدتها وشرفها وانتصارها على الإرادات الأجنبيّة».
عندما قرأت ذلك المقطع غير مرة، كنت أحاول جاهداً أن أفهم ما أراد سعاده أن يوصله إلى القوميين الاجتماعيين كلهم، وعبرهم إلى كلّ أبناء الأمة السورية سواء مَن كان منهم مقيماً داخل الوطن السوري أو مَن اضطرته الظروف إلى الإقامة في مناطق عبر الحدود.
لكن، وللأمانة، وبعد إسقاط ذلك النص على المعركة الاستثنائية التي خاضها الأسير ماهر الأخرس في مواجهة قوات الاحتلال بما اصطلح على تسميته «معركة الأمعاء الخاوية»، تمكّنت من تحقيق فهم وإدراك إضافيين لما رغب سعاده بأن يزرعه في نفوسنا.
فهو حرص على ترسيخ إرادة الحياة في النفس السورية، إرادة لا يمكن أن يصدّها شيء في الوجود. وهي نفس في جهادها وعملها تعلن حقيقة سامية في هذا الوجود هي الحياة، حياة العز والشرف.
فسعاده أراد من توجيهه أن يقول إنّ الحياة ليست سيارات وعقارات ومقتنيات، بل هي قيمة عظيمة في نفس الإنسان تعبّر عن إنسانيته السامية العظمى.
الإنسان الذي حكماً سيفقد صفته الإنسانيّة إذا كان مجرّداً من قوة الحياة وجمالها، فيتحوّل عندها إلى ذليل مستعبد يُساق بالعصى لكونه فاقد الإرادة.
قد لا يكون الأسير المحرر ماهر الأخرس فقيهاً قانونياً في الاتفاقيات الدولية التي ترعى حقوق الأسرى وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949. ومن المحتمل ألا يكون متابعاً لموقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر المعارض للإطعام أو العلاج القسريين للمضربين عن الطعام. ومن المرجّح ألا يكون على علم بموقف الجمعية الطبية العالمية والمعلن عنه في إعلاني مالطا وطوكيو المنقحين في سنة 2006.
لكن الأكيد والثابت بما لا يقبل الجدل أو التشكيك أنّ البطل ماهر الأخرس، وبكونه من أبناء سورية الجنوبية – فلسطين، هو واحد من أصحاب تلك النفوس العظيمة التي وصفها سعاده في النشيد الرسمي للحزب السوري القومي الاجتماعي بأنها نفوس «قد تسامت فوق آماد المنون».
بإيمان عميق راسخ عاقل اختار ماهر الأخرس، هذه المرة، أن يقاتل بآلامه فانتصر. وانتصرت معه فلسطين بوصلة صراع الوجود ضدّ العدو اليهوديّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عضو المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي.