التهويل بالحرب
ناصر قنديل
– امتلأت خلال يوم أمس، الصحافة الأميركيّة والإسرائيليّة ووسائل الإعلام المموّلة خليجياً بالتقارير التي تصف الشهور الباقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالشديدة الحساسية متضمنة الإشارات لفرضية توجيه ضربة موجعة لإيران قبل نهاية ولاية ترامب وفي السياق استهداف قوى المقاومة، خصوصاً في سورية بضربات متلاحقة. والتقارير لا تُخفي أن المقصود هو قطع الطريق على إمكانية قيام تسويات بين ايران ومعها قوى محور المقاومة في المنطقة من جهة وادارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن من جهة مقابلة، بخلق أمر واقع يفرض سياقاً مختلفاً للعلاقات يصعب تخطيه ويدفع المنطقة نحو استقطاب جديد بطابع عسكري تجد الإدارة الجديدة أنها محكومة بالبقاء ضمنه.
– الأكيد أن فرضية القيام بحماقة أمر لا يمكن استبعاده مع وجود شخص كدونالد ترامب في البيت الأبيض، علماً أنه أظهر عقلانية عالية في تحمل الضربات الموجعة تفادياً للتصعيد، عندما أُسقطت الطائرة الأميركيّة التجسسيّة العملاقة في الأجواء الإيرانيّة، بحيث بدا تهوره دوراً تمثيلياً يؤديه لشعبويّة انتخابية، وبالتوازي عملياً لا يمكن لإيران ولمحور المقاومة إلا أخذ هذه الفرضيات بحذر شديد والبقاء على جهوزية لمواجهة كل تهديد، لكن السؤال هو من الزاوية التحليلية هل يمكن منح هذا الاحتمال فرصاً حقيقية؟ وهل يشكل سياقاً منطقياً وارداً للتطورات؟
– العقبة الأولى التي تعترض هذا الطريق، طالما لا نتحدّث عن عمليات كبرى تغيّر سياق الأحداث في المنطقة، وليس عن عمليات إعلاميّة أو ضربات لأهداف تكتيكيّة تمّ استطلاعها، هي أن قبول ترامب دخول المرحلة الانتقاليّة مع فريق الرئيس المنتخب جو بايدن رغم التمسك بالطعن بالنتائج، له موجبات من أهمها أن تصل التقارير الاستخبارية والتحليلات الأمنية الصادرة عن وكالات المخابرات والبنتاغون للرئيس المنتخب وفريق عمله بالصورة ذاتها التي تصل فيها للرئيس الحالي طيلة الفترة الانتقالية حتى دخول الرئيس المنتخب الى البيت الأبيض، وتالياً فإن القرارات الكبرى التي يفكر بها الرئيس المنتهية ولايته موجبة التداول والتشاور مع الرئيس المنتخب، خصوصاً ما قد يرتب تبعات وتداعيات تحكم ولاية الرئيس المنتخب، فكيف إذا كان قصدها أن تفعل ذلك.
– العقبة الثانية هي أن خلق هذا المناخ المطلوب من ترامب وفريقه وحلفائه الإقليميين، خصوصاً ثنائي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يستدعي القيام بعمل كبير لا يمكن لإيران وحلفائها عدم الرد عليه بقوة، خصوصاً أن تفادي الرد على الاستفزازات يطبع أداء محور المقاومة خلال المرحلة الانتقاليّة، وهذا يعني الحاجة الأميركية للقيام بعمل عسكري أمني كبير يجبر محور المقاومة على ردّ يخلق سجالاً عسكرياً، ويفرض إيقاعاً مختلفاً يقطع طريق السياسة أمام إدارة بايدن، وهذا يعني استدراج رد يصيب القواعد العسكرية الأميركية والأساطيل الأميركية في المنطقة، بصورة تلزم واشنطن الدخول في حالة حرب، لكن بلوغ هذه المرحلة لن يكون من دون أن تسبقه مرحلة تكون فيها منشآت كيان الاحتلال الحيويّة ومستوطناته قد تلقت آلاف الصواريخ الثقيلة والدقيقة، وأن تكون منشآت النفط في الخليج، وخصوصاً القواعد العسكرية الخليجية في دول التطبيع قد تلقت نصيبها من الردّ. وهذا في حال حدوثه سيخلق تدحرجاً لتطورات يصعب تحمل نتائجها. فمدن الزجاج قد تتهاوى ومعها حكوماتها واقتصاداتها، وعمق الجليل قد يكون هدفاً لتوغل المقاومة، وكلها ارتدادات يصعب احتواؤها.
– العقبة الثالثة أن مثل هذه المواجهة التي تفاداها ترامب طيلة ولايته يحتاج للقيام بها إلى سبب جوهري يتمثل بعمل عدائي قامت به إيران يمكن تسويقه وشرحه للرأي العام الأميركي والعالمي، وهذا لا يبدو وارد الحدوث، كما أن ترامب يعلم بأن المباحثات والتنسيق الاستباقي لمنع التلاعب بمستقبل التفاهم النووي خلال المرحلة الانتقالية من جانب إدارته هو موضوع تنسيق يجري في باريس بين مبعوثي إدارة بايدن برعاية جون كيري ومبعوثي الخارجية الإيرانية برعاية محمد جواد ظريف، حيث تدرس كل الفرضيات وتبحث كل الاحتمالات.
– يقول أحد الخبراء، إذا وقعت الحرب فتشوا عن دبي وأبو ظبي على الخريطة، وعن ديمونا وناتانيا، ونيوم، قبل أن تسألوا عن تل أبيب والرياض.