ذكرياتي مع فيروز (ج. 2)
} رانية مرعي
لطالما كنتُ أسأل نفسي، كيف تعرفُ فيروز ما يجري في منزلنا! لا يكادُ شيءٌ يحصل إلّا ويكونُ طيفُها حاضرًا.. وصوتُها محمّلًا بالأحاسيس التي تجتاحُنا ولو خلسةً..
« يا جبل البعيد.. خلفك حبايبنا» كانت أغنية الحنين التي تنشدها الرّباب كلّما اشتاقت لجدي المسافر.. وكنت لأواسيها أقول: «لا تحزني أمّاه.. والدُ فيروز أيضًا مسافر وهي مثلكِ تشتاقه ..». وسؤال أذكرُ كم أضحك أمي ومسحَ عَبَراتها عن وجنتيها.. «هل والدك ووالد فيروز صديقان.. هناك.. خلف الجبل البعيد..؟».
وأذكرُ أنّي كنتُ أدّعي النعاس لأختليَ بصوت أمي، لا لأسمعَ الحكايا بل لأنعم بوصلةٍ شجيّة من أغنية «يلا تنام.. يلا تنام..» وأنا ..لا أنام! بل أمعنُ في السّهر لأستمتعَ بتلك النّغمات التي كانت تبرعُ في دندنتها ..
وللعيدِ في ذاكرتي زاويةٌ خاصّة.. فهناك وجوه كلّ أطفال العائلة.. كنّا نجتمعُ في بيتنا ليلة العيد.. أمهاتُنا يصنعْنَ «المعمول» وأنا كنت أرتّبُ الكراسي ليجلسَ الجميع وليسمعوني أنشدُ «ليلة عيد.. الليلة ليلة عيد».. وما أجملها ليلةَ العيد! ما كنّا لننامَ ونحن نحدّقُ في ثيابنا الجديدة.. فرحُنا الكبير في زمنٍ.. ليته يعود !
كلّ هذا الحب لفيروز.. ولم أكن أعرف ملامحها، كنتُ أرسمها فتاةً بجديلة مع فستان زهريٍّ يشبه الفستان الذي خاطته لي زوجة عمي ..
وفي يومٍ ناداني أبي وقال: «عندي لكِ مفاجأة سارّة ..»
ألبستني أمي أجمل ما عندي، ووضعَتْ وردةً في شعري القصير.. دائمًا !
دخلنا مكانًا واسعًا.. جلستُ مستغربةً أمامَ شاشةٍ كبيرة.. وأجزمُ أنّي عندما صرخت «أمي.. هذا صوتها.. فيروز هنا». سمعني كلّ من كان في سينما «روكسي» في قريتي الوادعة مشغرة ..
دهشةٌ رافقت كلّ دقيقةٍ من فيلم «سفر برلك» مع عدلا وعبدو.. والمختار الوطنيّ.. وأبو أحمد المقاوم.. وبحري الخائن ..
وفي تلك الليلة.. فهمْتُ لم أحببتها
كانت تشبه مشغرة.. كانت لبنان !
يتبع .