لهذه الأسباب الزميلة رندة المر هي وطن
} جهاد أيوب
إن استمرار الزميلة رندة المر في الإعلام رغم ما تعانيه من مرض لا يعرف الرحمة، ورغم تغيّرات الوجوه والأمكنة والأحزاب والأحلام والأحقاد، والكراسي، والنفسيات بكل خوابي تصرفاتهم يجعلنا نرفع لها القبعة احتراماً، وتفرض على حبر القلم أن يغرف من نهر رندة.
ولا تزال الزميلة رندة المر تصارع في هذه الحياة، وتثابر كي يبقى آخر عنقود في الإعلام مصاناً، ومحترماً كأخر المحترمين!
تصارع المرض الذي سجن حيويتها منذ سنوات، جالسته، وكانت جليسته المخلصة، حاورته، وحاولت أن تتفوق عليه في حوار مباشر، اعترفت به، واعترافها جعلها تتفق معه وعليه وعلى مزيد من الأوجاع، ورغم أن أوجاع رندة كثيرة وعديدة ومؤلمة منها يعود إلى غدر الاقربين، وطعن التلاميذ، وجحود من مدت لهم يد العون، وخبثنة من ساندتهم وشاهدتهم يبتسمون ومن خلفهم خناجرهم السامة!
نعم لا تزال رندة المر تتصارع مع مرضها، تذهب صباح كل خميس للمشفى كي تغسل الكلية، تعود منهكة، تنام مع أوجاعها، تتفتت مع وطن حضورها، تصر أن تكون الزوجة الحبيبة مع حبيب عشقته، وأدمنت حبه وتشعر أنها طفلة بين عواطفه وهو يراقب بنظرات الطفولة والشيب احتلّ عمره!
لا تزال تهتم لشؤون أولادها، مر الزمن على عائلتها، وتغيرت أوراق الشجر، وقطفت ثمار الزرع عشرات المرات ولا تزال رندة تعتبر أولادها في ملعب الصغر، وان العمر لم يطرق زيارتهم، هم أطفالها حتى الآن…
يا رندة صاروا كبار وتزوّجوا… تقاطعك رندة من خلال نظراتها لتقول لك «بعدهم صغار»!.
نعم رغم ملامح المرض على وجه رندة لا تزال متفائلة بالمقبل، ورغم كل السكاكين تصرّ رندة أن الزهور ستأتي في الربيع، لذلك تهتم بترتيب منزلها، بتوضيب أيام من حولها، والاتصال بالأصدقاء للسؤال وقد يكون بعضهم قد طنش السؤال، وهي التي تبادر دائماً!
تثابر رندة المر في العمل مع مرضها الذي كبر معها، تثابر في إعلام لم يعد إعلاماً، في حضور يكثر من حوله قلة الفهم والمسؤولية والإدراك والصبر في الإعلام، وهذا هو مرض يصيب غالبية جيل اليوم، ويزعج من تفوق في الإعلام أمثال رندة، ورندة التي زرعت في الوطن مسؤولية إعلامية على مساحة لا تشوبها عنصرية هوجاء، وحزبية فاسدة، وطائفية حاقدة!
رمت رندة كل سموم أمراض الشعوب اللبنانية بما تحمل وزرعت الإعلام النظيف لكونها هي النظافة الحياتية والعملية!
قد لا يعجب بعضهم ما كتبته بحجة أن رندة حادة في عملها، عفوية في التعاطي مع كل جديد، لا تؤمن بأنصاف الحلول، ولا تقبل بالعمل الإعلامي على نظام البركة، تعطي رأيها من دون أن تنتظر منك الرأي، وتقوم بواجب الضيافة الكريمة حتى لو لم توافقها الفكرة، وتستقبلك بابتسامة مغرقة بالعمل السريع!
رندة واضحة جداً جداً ولا تخبئ الحقد الحسد الطعن، وتصر أن تنسجم مع ما اكتسبته واكتشفته في عملها الإعلامي وتقدمه لمن حولها أو من يسألها أو من ينظر ويخاف أن يسألها، وهي تعلم غرور بعضهم، وطيب مَن كان طيباً، وانتظار موتها حتى يحتلوا مكانها مع أن مكانتها صعب أن يصلها المشتاقون المتسلقون والمستثمرون في الإعلام!
رندة المر رغم كل ما ذكرت لا تزال هي ذاتها المؤمنة التي تخاف الله، وتعيش صليب ما تبقى من عمر يفتخر بها، وهي ذاتها الإعلامية التي تتقبل كل النقد حتى لو كان قاسياً وهجومياً، ولا تعتبر الناقد عدواً حتى لو تناولها، وهي صديقة مخلصة، وصافية في التعامل ولا تغدر حتى لو غُدرت، والأهم رندة المر تواجه ولا تخاف من المواجهة، ومن المقصود!
هذه رندة المر التي أعتز بمزاملتها، بصداقتها، بوطنيتها… رندة هي وطن.